"أريد لقرائي أن يستطعموا هذه العاطفة نفسها حين يقرأون كتبي. أريد أن أفتح نافذة في أرواحهم، يدخل منها هواء منعش. هذا ما يخطر لي، وما أرجو حدوثه حين أكتب، تماماً وبكل بساطة".
حين قرأت سيرة هاروكي الرياضية بعنوان: "ما أتحدث عنه حين أتحدث عن الجري" وكيفية محافظته على جسده، من خلال رياضة الجري، شعرت بعطش شديد لأن أعرف أكثر عن حياته، خارج ما يطرحه في كتبه من حكايات مجنونة أمتعتنا وجعلته من كتابنا المفضلين، فجاء كتاب "مهنتي هي الرواية" وهو يضم مقالات فيما يُشبه سيرة كتابية عن هاروكي وحياته ومقتطفات من نشأته، وكيف أنه أصبح ذائع الصيت نتيجة مخاطرة كبيرة، حيث أنه في أحد الأيام قرر أن يكون روائياً وهو يشاهد مباراة ما في أحد ملاعب البيسبول، إلهام ظهر له فجأة، وتمسك به، بل وتجرأ إلى أكثر من ذلك، أن يهجر عمله بالكامل في مقابل أن يكون روائياً في المقام الأول، فتشعر ومنذ البداية أن حياة هاروكي مثل الرواية، فمثل هذه القرارات يحتاج إلى قدر كبير من الخيال والجرأة لتتخذه، وبسبب هذا القرار، أصبح لدينا كاتب بحجم "هاروكي موراكامي".
تتنوع فصول الكتاب ولا تتخذ ترتيباً معيناً لفترات حياته، بل تتأرجح كالبندول بين الماضي البعيد والماضي القريب، في إطار عنوان الفصل، يحكي هاروكي عن بدايات حياته، علاقته السيئة مع المدرسة والدراسة، أسباب قلة ظهوره الإعلامية وفي المحافل الأدبية خاصة، وبشكل عام، علاقته بالجوائز الأدبية ونظرته وفلسفته لها، كيف يكتب رواياته من وأين يستقي شخصياته؟ وكيف يكون الكاتب أصيلاً في محتوى روايته؟ وما الذي ينبغي للكاتب أصلاً أن يكتب عنه؟ وعلاقة الرياضة والجري بالكتابة؟ وبعض المحطات الهامة في حياته، وكيف تحول من كاتب محلي في اليابان إلى كاتب عالمي ينتظر عديد القراء حول العالم كتاباته بشغف كبير؟ هذه أسئلة كثيرة يصحبك موراكامي في رحلة إلى ماضي حياته ليجيب عنها بطريقة ممتعة كالعادة فلا تشعر بأن الكتاب ما يُشبه سيرة ذاتية أو مقالات، فحياة هاروكي نفسها أشبه بالخيال!
وكيف لا؟ فعندما تنظر إلى تفاصيل حياته وطريقة كتابته للرواية تشعر بأن حول هذا الرجل قدراً هائلاً من السحر الممتع، فمثلاً يذكر أنه في أحدى قصصه القصيرة، تمردت شخصية ما فتحولت من قصة قصيرة إلى رواية بسبب جملة واحدة، وهذه دلالة كبيرة على أي حد يتماهى "هاروكي موراكامي" مع شخصيات روايته، فيغوص في كل حكاية وكأنه هو نفسه داخلها وليس كاتبها.
ختاماً..
قرأت كتابين لهاروكي يتحدث فيهم عن حياته وسيرته الرياضية والروائية ولا زلت أشعر بالعطش، أريد أن أعرف أكثر، وأريد أن أكون معه بداخل تفاصيل حياته، ما يتذكره عن طفولته ومراهقته وشبابه، وحتى كبر سنه وطريقة تعامله وعيشه منذ أصبح كاتباً معروفاً، ولا أعلم هل سيتحقق كل ذلك في كتاب آخر، أم إنها ستظل أحلام مستحيلة عصية علي، فأتركها للخيال، ليجيب على تلك الأسئلة ويُكمل الفراغات الغامضة عن واحد من كتابي المفضلين: هاروكي موراكامي.
3.5/5