التحليل النفسي للإرهاب : بناء سردية المظلومية (الجزء الأول)
تأليف
هشام حنفي العسلي
(تأليف)
البِدايات غالبًا ما تكون صعبة، وتزداد مرارتها حينما تنبش في أعماق القلب وتستدعي أحزانًا قديمة أو جروحًا لم تلتئم بعد، أو عندما تجتر معها أفكارًا مرعبة وتنبئ بمستقبل قاتم. وإذا كانت البدايات بهذه القسوة، فما بالكم بالرحلة ذاتها؟! إنها ليست مجرد رحلة شاقة، بل هي مسار يشبه المشي حافي القدمين على سيف حادّ النصل. أن تبوح بما في نفسك وتبحث عن النجاة في ذات الوقت هو أشبه بمحاولة النجاة من بين نصلين متقاطعين.
هذه المغامرة الخطيرة، التي تنذر بالهلاك، تلوح في ذهن أولئك الذين عانوا من مرارة الشكوى وألم المعاناة، مما جعل بعضهم يعجز عن البوح بمكنون نفسه رغم فصاحته. فهو يتهرب من مواجهة حقيقة مشاعره، ويعبر عن نفسه بالكلمات التي تخبئ ما في داخله، فتشعر وكأنك تحاول فهمه بينما هو يقفز من جملة إلى أخرى، يرفض أن يواجه ذاته أو يريح قلبه.
فقد دفع عجزهم عن الاحتمال ورفضهم للامتثال كثيرين إلى الهروب بحثًا عن عالم آخر، يتخلصون فيه من قيودهم الثقيلة، حيث تتداوى أرواحهم من الآلام، وتلتئم جروحهم النفسية والجسدية، ويجدون الراحة في الجدل اللامتناهي الذي يحقق لهم التعبير عن ضمائرهم وأفكارهم. وفي تلك اللحظات، تسمو أرواحهم وتتسع آفاقهم، وترتقي شخصياتهم، يتجنبون الصغائر ويعصون على أنفسهم الزلل.
لكن، ومع ذلك، يبقى الوصول إلى هذا العالم المثالي حلماً بعيد المنال. قلة من الناس هم من يسعون إليه بجدية، رغم أن الغالبية يظلّون عالقين في قيود الواقع، محبطين في مسعاهم. مثلما حدث مع خالد بن عبد الله القسري عندما قتل الجعد بن درهم في عيد الأضحى بالكوفة، ليقدم نفسه كطاغية متفاخر بسُلطةٍ وسطوة لا رحمة فيها. بعد ذلك، جاءت جريمة قتل ابن المقفع، الذي تم تعذيبه على أيدي جلاديه، مصحوبة بإفتاء ابن تيمية بمقتله، مبررًا القتل على أنه ضرورة دينية، مما يعكس قسوة وتطرفًا لا يرحم في التعامل مع الاختلافات الفكرية. في النهاية، تبقى رقابنا معلقة بين سيف السلطان وسيف الدين، لا نعرف إن كنا سننجو أو نسقط في أيدي الطغاة.
عن الطبعة
- نشر سنة 2024
- 328 صفحة
- [ردمك 13] 9789776898653
-
دار المرايا
تحميل الكتاب