رقم مائة وسبع عشر/2024
أزمنة مصرية
باهر سليمان
تطبيق ابجد
في هذا الكتاب سنعرف ماذا حدث للهوية المصرية في إطارها العقدي "الإسلامي"، وفي سياقها الحضاري "العثماني"، فقد هيمن محمد علي عبر الدولة المركزية الوليدة ليس فقط على مقدَّرات مصر بسياسته الاحتكارية؛ ولكنه هيمنَ أيضًا على "الجسد" عبر مؤسسته العسكرية والطبية، وعلى "العقل" عبرَ مؤسَّساته التعليمية والقضائية. لقد وجدَ المصري نفسَه أمام دفعات هائلة من التغير السياسي والفكري في مطلع القرن التاسع عشر، وكان لكلَّ ذلك تجلياته على السلطة والثقافة والهوية والشريعة في مصر.
يعد مشروع محمد علي باشا هو المشروعَ الأبرز الذي أرسى دعائمَ الشكل الهوياتي والفكري لما اصطُلِح على تسميته بعد ذلك بمصر الحديثة، واعتمد التأريخ الحداثي والقومي في قراءة مشروع محمد علي باشا على النزعات الأيديولوجية التي ترى فيه مشروعًا قوميًّا أو عربيًّا، وفي تلك السردية يغدو مشروعُ الباشا تجربةً تحديثية رائدة استلهمت أنظمة الحكم والإدارة الغربية، وقامت بتدشين نظام حديث في مقابل نظام قديم. ومن أجل بناء سردية أخرى تكشف مرجعية نظام الباشا، وما أقامه من أبنية وأنظمة داخل إطار دولة تميّزت بالسلطة الصارمة صرامة العنف والبطش والجبروت
، أنَّ الدولة هي نقطة الانطلاق في نهضة تاب أزمنة مصرية من الكتب المهمة التي تناقش اللبس في مفهوم الحداثة عند أغلب المفكرين والسياسيين والنخب الحاكمة هناك فرق كبير جدًا بين التحديث التقني والتحديث الفلسفي وهناك فرق كبير جدًا بين التقدم التقني والتقدم الإنساني. أحد قوانين البروتوكولات تقول أنّ الأغيار لم يفهموا أنّ كلمة التقدم في كل مجال تأتي فيه لا تدل إلا على ضلال إلا المجالات المادية. هذا النص هو سبب ضلال الغرب لأنه لم يستطع الفصل بين المسائل المادية والتقنية وبين المسائل الإنسانية. إشكالية التحديث هي في عدم وضع المعيار الدقيق لوصف المجتمعات بالتخلّف والتقدم. حاول اليهود طوال فترة النهضة الاوروبية الصناعية ربط التقدم التقني والصناعي بنمط فاسد من الأخلاق والقيم لتقديم صورة مزيفة للعالم مفادها أنّ سبب التقدم التقني هذا النمط من الأخلاق والفكر المشوه دون الاخذ بأسباب النهوض.
استطاع اليهود تقديم صورة للعالم أنّ اسباب تقدم أوروبا تقنيًا هو التحرر من السلطة الدينية، هذا صحيح بالنسبة لأوروبا بسبب النظام الكنسي المسيطر الرئيس علي حياة البشر وخصة في فترة الظلام وصكوك الغفران حيث النص الإلهي المحرف الذي يتعارض كليًا مع الاكتشافات العلمية ويعتبرها هرطقة. وعند سقوط النظام الكنسي أسقط معه المعيار والميزان وأتيح للمفكرين وضع القوانين الوضعية بعيدًا عن سلطة الدين لتشكيل واقع جديد وفهم جديد للحياة، ومن هنا بدأت فكرة القومية والعرق ومع التقدم التقني أصبح هو معيار الحداثة.
يناقش الكتاب بداية فكرة التحديث في مصر مع قدوم الحملة الفرنسية والتي قدّمت صورة لمصر في العهد العثماني كمجتمع يعاني من الجهل والتخلف والركود كمحاولة لتثبيت وجودها وتبرير سياستها في مصر. كما ناقش الكتاب الهوية الإسلامية لمصر والتي هي الأساس الأيديولوجي لبنية المجتمع المصري مع اختلاف السلطات الحاكمة للبلاد.
يتحدث الكتاب عن تجربة محمد علي وبناء السلطة المركزية علي النمط الغربي وتأثير هذه التجربة علي الوعي الجمعي للمجتمع المصري وانفراد محمد علي بحكم مصر وتفعيل قوانين تقلّص دور المحاكم الشرعية حيث أنشأ المجالس القضائية والتي استقلت عن القضاء الشرعي، وهذه هي البذرة الأولي نحو التقليل من هيمنة الشرعية الدينية كما حاول جاهدًا إنشاء جيش قوي علي النظم الغربية مهما كانت تكاليف. هذا التجهيز الذي استنزف قوي المجتمع الاقتصادية والسياسية ولقد أحدثت الدولة بسبب الجيش انقلابات في بنى الأنشطة الاقتصادية وتفكيك للسياسات الاجتماعية القديمة مثل مؤسسة الوقف؛ مما أحدث خللًا في وضعية المدارس والعلماء وتفكيك شبكة العلاقات الاجتماعية والثقافية.
وبهذا ساهم الجيش في إحكام قبضة السلطة المطلقة علي أفراد المجتمع بعد تفكك التكوينات الاجتماعية التي كانت صمام أمان للعامة أمام السلطة ومن هنا نلاحظ أنّ بلاد الشام ظلت صعبة المراس والسيطرة أمام جيوش الباشا وذلك لأنه لم يضعف دورة الاجتماع الأهلي كما فعل بمصر.
كما يناقش الكتاب بداية فكرة القومية المصرية مع بروز الدولة الحديثة وتفكك الإمبراطوريات الكبري عقب الحرب العالمية الأولى أصبحت عقيدة سياسيه لدول التجزئة التي نشأت عقب الانفصال عن تلك الكيانات الكبري فهي إطار عقدي للولاء داخل الدولة الحديثة.
كما ناقش الكتاب البناء الثقافي في مصر الحديثة علي النظم الغربية بعيدا عن نظام التعليم القديم الذي مصدره الأزهر كان الباشا مقتنعًا انّ نظام التعليم في الأزهر لا يمكن أبدًا أن يخدم مشروعه فقد استعان بالفرنسيين وأرسل البعثات التعليمية إلي أوروبا لعب نظام التعليم الجديد دورًا كبيرًا وممتدًا حتي بعد موت الباشا في تشكيل هوية مصر القرن التاسع عشر فقد كان من الطبيعي أن يصور مؤلفو الكتب المدرسية عهد أسرة محمد علي باشا بأنه مؤسس مصر الحديثة وباعث نهضتها وتكلمت هذه الكتب عن العلاقات الطيبة التي جمعت بين الباشا وجموع الشعب المصري الذي كان يصفهم بالبهائم بينما كان المؤرخون الاوروبيون المعاصرون يتكلمون عن محمد علي بوصفه الحاكم المستبد الظالم الذي لم يكن يري في مصر أبعد من مكان لتحقيق طموحاته الشخصية.
نجحت فكرة الحداثة في إبعاد الدين والشريعة من الفضاء العام للمجتمع المصري وتغريب المجتمع وأصبح تابع للغرب في كل سياساته وقوانينه العرجاء ومع مرور الوقت أصبح مطالب بالدفاع عن حدود الدولة المصرية فقط التي رسمها الغرب الحديث وليس لك شأن اخر بالمسلمين في اي مكان في العالم.
تحدث الكتاب عن دور رفاعة الطهطاوي في محاولة الإصلاح كان الطهطاوي يملك من الوعي قبل سفره الي باريس مالم يجعله منهزمًا أمام الغرب لا كما تروج كثير من الكتابات المعاصرة بل هذا الوعي جعله في حالة عقد المقاربات المستمرة مثل المقاربة بين ابن خلدون او بين المستشرق الفرنسي سلفستر دي ساسي ثم يقدم رؤيته الإصلاحية.
قراء رفاعة أثناء إقامته في باريس كتب التاريخ والجغرافيا والسير والأخلاق والسياسة ودرس اللغة الفرنسية وترجم كتبًا كثيرة وألّف وهو في باريس كتابه تخليص الإبريز في تلخيص باريز وأتمه. لم يستسلم الطهطاوي لمعطيات الحضارة الغربية ولم يترك النظرة المطلقة للغرب وكان الطهطاوي يرى أنه يمكن الاستفادة من المعارف الغربية التي بها حسن التمدن مادامت لا تتعارض مع الشرع الإسلامي.
كما تحدث الكتاب عن دور جمال الدين الأفغاني في فكرة التغيير لقد كان الافغاني يؤمن بأنّ تغيير المجتمعات ممكن و مستطاع، أنه يؤمن بفكرة وحدة البشرية حيث العوامل المؤثرة في كافة البشر واحدة وبالتالي اذا ما توفرت للإنسان الشرقي نفس الظروف التي توافرت للإنسان الأوروبي لحقق مثل ما حقق، فتماثل الفطرة البشرية ما يدل علي تقارب العقول وكان يرى سبب تحلل الأمة الإسلامية في الفرقة والاستبداد السياسي وإهمال أوامر الشريعة ويظهر الحل عند الافغاني وهو دين قويم الأصول محكم القواعد شامل لأنواع الحكم باعث على الألفة داع الي المحبة فعلاجها الناجع إنما يكون برجوعها الي قواعد دينها والأخذ بأحكامه علي ما كان في بدايته.
كما تحدث الكتاب عن دور الشيخ محمد عبده في دورة الإصلاح عمل محمد عبده علي التوفيق بين مبادئ العقلانية الأوروبية وبين الإسلام كانت المشكلة علي الحقيقة ليس في قبول النظريات الغربية ولكن محاولة قراءة الإسلام من خلالها حتي ولو بالتأويل المتعسف. جعل الشيخ محمد عبده الأجسام الحية الخفية مثل الميكروبات نوعًا من الجن كما لم يعترف بالسحر وصرح بأنّ السحر من العلوم الإنسانية كما رفض الحديث الذي يذكر أنّ النبي قد سحر وقد يستعمل لذلك عبده اللغة وعلم الحديث لكن المنطلق الأصلي كان الانهزام النفسي امام العقلانية الغربية وبالتالي يستعمل الأدوات الإسلامية بتعسف لتقويض الفهم الكلاسيكي نفسه للإسلام وسبب هذا التعسف هو محاولة الجمع والتوفيق بين النصوص التي تبدو ظاهريًا غير عقلانية وبين العقلانية الغربية .
كما تحدث الكتاب عن الشيخ محمد رشيد رضا ودوره في الاصلاح كانت نظره رشيد رضا ورفاقه الى الاسلام إجمالًا نظره الافغاني وعبده فهو يبدا بالسؤال لماذا البلدان الاسلامية متخلفة من كل ناحيه من نواحي التمدن؟ إنّ هذا السؤال الذي رصده حوراني هو المدخل للمشروع الاصلاحي لمحمد رشيد رضا لا سيما وأنّ الواقع السياسي والفكري المازوم كان هو انطلاقة رضا تحت تاثير التهييج الثوري للعروة الوثقى ومن هنا يقرأ رضا العلاقة بين العلماء والسلطة.
فبشكل عام موقف رشيد رضا من التراث والتاريخ الإسلامي كان سلبيًا فيما يخص المنظومات المعرفية والانظمة السياسية والاجتماعية صاحب ذلك كله تاييد المنار في مرحلتها الاولى للمنطق الاستعماري الإنجليزي، فالانجليز عند رضا من أذكي المستعمرين لأنهم لا يقومون بالتنصير كان هذا الموقف بطبيعة الحال يؤول برضا إلى إدانة جهود كل الزعماء الذين يقاومون الانجليز في العالم الاسلامي والصاق كل النقائص الاخلاقية بهؤلاء الزعماء
يمكن القول إنَّ التطور الذي مر به المصريون من فترة محمد علي الى ثورة 1952 يعادل أضعاف التطور والتغير الذي مروا به في كل الفترات السابقة لهذا التاريخ، ولا يقصد هنا بالتغير مجرد التغير في الأحداث السياسية، بل يشمل- على وجه الخصوص- التغيرات الاقتصادية، والحراك، والانتقال الذي حدث في مختلف الطبقات من الطبقات الدنيا والمتوسطة وحتى الطبقات العليا.
يُرجع البعض ذلك التطور إلى الانفتاح الاقتصادي غير المعتاد الذي مر به الاقتصاد المصري، ويمكن لذلك أن يكون تفسيرًا لكل المشكلات والظواهر الجديدة التي مر بها المجتمع المصري، لكن في الوقت ذاته لا يمكن أن يكون التفسير الوحيد لها. ولا تستطيع قوانين الانفتاح الاقتصادي وإجراءاته سوى إباحة سلوك معين لافراد المجتمع أو منعه، لكن لا يمكن لها أن تخلق سلوكيات معينة لهم، بل يمكن القول أن سلوكيات الأفراد المبنية على أساس دوافعهم ورغباتهم الخاصة يمكن لها أن تتحكم في قوانين الاقتصاد نفسها؛ فالقيم الاجتماعية للأفراد وسلوكياتهم لا يمكن له أن يتغير في ليلة وضحاها بمجرد إصدار بعض القوانين والأحكام مهما بلغت صرامة تلك القوانين.