نص تحليلي بقلمي لكتاب هكذا تكلم زرادشت للفيلسوف نيتشه ✍️
جاء على لسان نيتشه : "هكذا تكلم زرادشت كتاب للجميع و لغير أحد (مقطوعة شعرية) أو (إنجيل خامس) أو أي شيء آخر لا يوجد له إسم بعد ، إنه أكثر مؤلفاتي جدية و جرأة ، وهو في متناول الجميع ..."
الأسلوب الإنجيلي واضح في هذا الكتاب من خلال طريقة المخاطبة ، الكلام بالأمثال و الإستعارات ، الأبيات الشعرية ، وهي لغة قريبة من لغة المتصوفة العرب ، ومعروف لدى المتصوفين أنهم يخوضون مغامرات بإتجاه المجهول ، بالنسبة لهم المفكر هو في حالة من الترحال الدائم ، زرادشت مسافر رحالة جوال لا يرتاح إلى دفئ اليقين و الحقائق المتأسسة في الثبات ، فزرادشت شخصية مستوحاة من مؤسس الديانة الزرادشتية ، في هذا الكتاب تم تسليط الضوء على تأملاته ، فالبنسبة لنيتشه الوحدة إذ إحدى الثوابت القارة في فضائل المفكر الحقيقي لديه ، و التوحد هو عزلة المفكر لا عزلة الراهب الذي يرفض الدنيا و ينسحب منها ، "و ليظل المرء متمسكا بتملكه بفضائله الأربع، فضيلة الشجاعة ، التبصر، التعاطف، و فضيلة الوحدة ، ذلك أن الوحدة عندنا كنزوع مقدس للنقاوة يجعلنا نحدس كيف أن احتكاك الإنسان بالانسان داخل المجتمع يؤدي حتما إلى التدنس، فكر جماعة تجعل المرء بطريقة ما وفي موضع ما وفي وقت ما خسيسا" إذ نفهم من هذا أن نيتشه ليس بداعية إلى الموت ونبذ الحياة ، إنما يدعو إلى التغلب على الذات و تجاوز الذات من أجل العبور إلى منزلة الإنسان الأعلى.
قبل الشروع في الحديث عن الإنسان الأعلى سأوضح نقطة مهمة التي أثارت ضجة كبيرة حول فكرة موت الإله عند نيتشه ، فكما لاحظت مبدئيا تمرد نيتشه على الديانة المسيحية ، باعتبار أن ما تعرض له عيسى (الإله) حينما صلبوه على العود الخشبي منافي للقيم و الاخلاق وكيف لهم أن يعتبروه إله لهم ، أي أنه يقصد إله المسيحية وليس الخالق .
أما الفكرة الرئيسية حول موت الإله والتي تدور حولها أفكار نيتشه يقصد بها موت القيم الأخلاقية وأن الإنسان يجب أن يحدد قيمه الخاصة ليصل إلى مرتبة الإنسان الأعلى ، يقول زرادشت : "الإنسان شيء لابد من تجاوزه " يعني بأنه يطمح إلى نوع جديد و كيان مختلف نوعيا وليس متفوق من النوع نفسه . نيتشه وضح هذا عبر التحولات الثلاثة هي كيف تصبح الروح جملا ، والجمل أسدا و أخيرا الأسد طفلا ، نأخذ مثلا الفنان في المرحلة الأولى يثقل نفسه ويحمل أمتعته مثل الجمل الذي يمشي في الصحراء مع التعلم و الدراسة الطويلة حول القدرات و المهارات الفنية التي يحتاج إلى امتلاكها ، وفي المرحلة التالية عليه أن يؤسس استقلاليته و تفرده مثل الأسد و يصبح ملكا لصحراءه و يميز نفسه عن الفنانين الآخرين، في النهاية عليه أن يبتكر طريقته و أسلوبه الخاص في التعبير ليخلق شيئا جديدا تماما، في هذه المرحلة الأخيرة يصبح الفنان مثل الطفل ، يولد شيئا جديدا لأنه استوعب إحساسا كاملا بالبراءة ، لقد اختفت تماما كل علامات و آثار معاناته السابقة ولا نرى إلا ماهو جديد.
فالانسان المحارب حسب نيتشه هو من يجند كل قواه و طاقاته الإثباتية في الصراع من أجل التجاوز والتطور يقول نيتشه :"حيثما تكون هناك حياة فقط تكون هناك إرادة ، لكن ليست إرادة الحياة بل وهذا ما أعلمك إياه_ إرادة القوة !" فإن عناصر القوة والنمو والتطور والتجدد داخل الكائن هي التي تدفع عنها العناصر المتراخية و المتخاذلة التي لم تعد قادرة على الحركة و التطور ، ولا تسحرها غير أنغام الاستسلام إلى خدر الموت ، ليس مفهوم إرادة القوة بمعناها السطحي إرادة السلطة ، هذا فهم خاطئ .
لعلني فهمت فلسفة نيتشه فهما خاطئا ، فتناقضه جعلني أقف حائرة أمام المعاني و التلاعب اللفظي ، ما كتبته هو فقط تأويل و ليس حقيقة مطلقة ، فحتى زرادشت ليس متأكدا من أنه يعرف الحقيقة ، لذلك لم يرد أن يكون له أتباع ، طلب من تلاميذه أن ينسوا أمره تماما ، وأن لا يمتدحوا تعاليمه...
من أجمل ما قرأت في هذا الكتاب
«أرفع اليدين نحوك، نحو من أبحث عنده عن ملاذ، أنت يا من أقمتُ له الهياكل الفخمة في أعماق قلبي. فلينادني صوتك في كل الأوقات. منحوتة هذه الكلمات، تبرق للإله المجهول…أيها المجهول، أريد أن أعرفك، أنت يا من تدخل عمق روحي، أنت يا من تعبر قلبي مثل عاصفة، أنت يا من يتعذر الإمساك به، يا أيها القريب: أريد أن أعرفك، أريد أن أخدمك».
مرحبا بكم في صفحتي على الفايسبوك Warda positive