السرير : الجسد في خلوته - سلسلة أشياء 8
تأليف
هاشم تايه
(تأليف)
في لحظةٍ، يبدو أنّها تأخّرتْ، رَفَعَ الإنسانُ منامَهُ عن الأرض، وأعلاه فوقها بسريرٍ بدائيٍّ ربّما كان عبارةً عن مجموعة أغصانٍ رصّها رصّاً، ثمّ نَصَبَها مستويةً على حجر، ودثّرها بجلود حيواناتٍ، أو حشائش، ثمّ وثب على سطحها مُحاذراً، كما لو كان يختبرُها ﰲ متانتها، وجدواها. وحين اطمأنّ إلى قدرتها على حمله استلقى عليها مفتوناً، وتطلَّعَ، بإكبارٍ، إلى خياله الذي أعلى منامَه.
هناك لبثت الطّبيعةُ تنظر، باستنكارٍ يملؤهُ الإشفاق، إلى ذلك المخلوق القَلِق الّذي يُفرطُ ﰲ التّفكير، والتّصوّر، ويستعمل يديْه لعوارض أفكاره المُنشقّة التي تجرفُهُ بعيداً عنها، ولا هدف له إلّا أن يَحرفَها- هي الطّبيعة الأمّ، والأصل والفصل- عن مسارها القَدَريّ الفاتن، وينعطف بها إلى مساره الحرّ المُقلق، مُتدخّلاً، على هواه، ﰲ ما أعدّتْه لكائناتها من أشكال الحياة الجارية ﰲ نظامٍ يتدفّق، وينساب طبيعيّاً بلا خيارات. كان السّريرُ انشقاقاً آخر لذلك المخلوق المهموم الذي لا يُريد أن ينام كما قدّرت الطّبيعة. أمّا حزمة الأغصان، تلك، التي رُصَّتْ، ثُمّ استوتْ على الحجر، فكانت أوّل محاولةٍ لتحسين أداء النّوم، وحراستِه، وتسهيل عملية الانتفاع به بشروطٍ أفضل.