دماء وطين
تأليف
يحيى حقي
(تأليف)
نبدأ مجموعة «دماء وطين» بالرواية القصيرة «البوسطجي» التي أعدّها أجمل ما كتب أستاذنا يحيى حقي في إبداعه القصصي.. أقول هذا رغم علمي بأن الكثيرين من النُقّاد والأُدباء سوف يعترضون على هذا الرأي.. سيقولون: أين هي من رواية «قنديل أُم هاشم» التي حَسَمَت الخلاف الفكري - في بداية القرن الماضي - بين مَنْ يطالبون باندماجنا الكامل في الغَرْب الأوروبي وبين خصومهم الذين يرفضون أي شيء يرد إلينا من الغَرْب ويطالبون بالانغلاق التام عنه؟.. لقد حَسَمت (قنديل أم هاشم) هذا الخلاف حين مدَّت سبابتها إلى الطريق الصحيح وهو أن نستعين بعلوم الغَرْب مع الحفاظ على «هويتنا» القومية.. ثم أين تكون (البوسطجي) من رواية «صحّ النوم» التي نبَّهت ثورة يوليو في وقت مبكر (عام 1955) من الخطأ الكبير الذي قد تقع فيه إذا هي أهملت الديمقراطية؟ كل هذا جميل ومقبول ولا يعترض عليه أحد.. لكن «البوسطجي» مع ذلك أجمل بكثير من الناحية الفنية.. فقد توافرت لها الجماليات الدرامية التي لم تتوافر لقنديل أم هاشم أو لصحِّ النوم - رغم أهميتهما الفكرية - حيث رأينا خطَّيْن دراميَّيْن في «البوسطجي» أحدهما بطله الشاب القاهري عباس (البوسطجي) في صراعه مع عُمدة القرية - في أعماق الصعيد - والذي يريد طرده من البيت الذي يستأجره منه - مع أنه يدفع له الإيجار كل شهر في موعده - ويكتب ضده البلاغات الكيْدية لمركز الشرطة.. والخط الدرامي الثاني بين الطالبيْن الشابيْن «جميلة» و«خليل» حيث نشأت بينهما علاقة حب تطورت إلى أن وقعا في الخطيئة.. سافر خليل للعمل في القاهرة في حين تحركت ثمرة الخطيئة في بطن جميلة.. فأخذت تبعث برسائلها إلى خليل لكي يأتي لإنقاذها..