❞ ففي النظام العالمي الذي تتطلع إليه الإنسانية، ليس للأسود والأبيض أي حق في الوجود. وجملة القول: الإنسانية، بوصفها كذلك، عديمةُ اللون ❝
الأسود : فلسفة اللالون
نبذة عن الكتاب
عريف أول في الجوقة النحاسية للفرقة الجوية الثالثة، تلك كانت إحدى الشخصيات التي جسّدتها في حياتي. الزيّ أزرق داكن والبسطار أبيض، مع طاقيةٍ على الرأس ومزمار صغير، بأصابع وشفاه اعتادت الطبقات العالية الحادة للازمة النشيد الوطني الفرنسي الذي كان يُمثِّل شغلنا الشاغل ولحننا المعتاد في كل مناسبة. لا شيء أسود، إذاً، فيما خلا ليالي الشتاء. وقد نصّت القواعد على أن تكون الساعة التاسعة مساءً موعداً لإطفاء موقد الفحم – أها! ها نحن نعثر على لمسة سوداء في الأرجاء، فلا ضير في استجلائها: دلوٌ مليء بكرات الفحم، وغبارٌ لزج ينتشر في الهواء. كان هذا الموقد ينفث دخانه الكثيف بين أسرّتنا المتحاذية بدقة؛ الأمر الذي وضع حياتنا في خطر، ودفع المساعد الأول، والرقم واحد في العزف على الترومبون، إلى تحذيرنا بالقول: إن لم نُطبِّق هذه القاعدة سيُردي أول أكسيد الكربون الجندي النائم على الفور، من دون أن يكترث لانتمائه إلى الجوقة النحاسية، فسواد الفحم يجهل أننا وحدنا مَن يعرف لازمة النشيد الوطني الفرنسي. ولكن على مَن تقع مهمة تطبيق القاعدة المشار إليها؟ على العريف الأول، طبعاً، بحكم رتبته رئيساً للمهجع والتي رُقي إليها من دون مقاومة ممكنة. تلك كانت طريقتي في الإقناع والمفاوضة والإرغام، فأجلب أغطية إضافية، وأهيب بعازفي الأبواق، وأردع عازفي الكلارينيت، وألينُ مع عازفي المزامير، ولا أعرف الرحمة مع عازفي الطبول؛ لقد كنت الوصيّ المنذِر بمجيء الليل الجليدي، فأُخمد الموقد وأطفئ الأنوار لأحمي بأي ثمن هؤلاء الشباب المحشورين مثل النقانق داخل طبقات لا تحصى من الأغطية العسكرية الخشنة، من هبوط البرد الجليدي والليل المهول.عن الطبعة
- نشر سنة 2024
- 112 صفحة
- [ردمك 13] 9786140303485
- دار الساقي للطباعة والنشر
تحميل وقراءة الكتاب على تطبيق أبجد
تحميل الكتاب
380 مشاركة