حزينٌ هو الحب حين لا يجيد صناعة اللقيا بين اثنين، ولا بد أن يخرج لنا بأمرٍ مختلف، كحياتهما.
هذه الرواية للدكتور يسري عبد الغني، وتتحدث عن ليلى وقيس، ابن عمها المفتون بحبها.
كانت من عادات العرب قديمًا استحالة زواج اثنين اشتهر الحب بينهما، فلا يُقبل أن فلانًا يفصح عن حبه لفلانة.
وكان قيس، المحب الفصيح، ينشد حبه على مرأى ومسمع الجميع. كان حبه جنونًا بالغًا، اُفتتن بها وتُرك للزمن والدنيا.
أما ليلى، المحبة العفيفة التي تناثرت الأقوال عنها، فقد آثرت على نفسها متعة قرب الحبيب، ولجأت إلى مروءة ورد لتخرس الألسنة وتصون عفتها، كانت ضحية مجتمعها، فلم يكن لها رأي إلا حماية اسمها وسمعتها وشرف أبيها. عاشت في صراع جبار بين لسانها وقلبها.
هام قيس في الصحراء، متغنيًا بحبه العذري، ينشد القصائد ويرافقه صديقه الأمين زياد، ناقلًا أشعاره.
لم يعرف قيس في الدنيا إلا ليلاه، ولُقّب بالمجنون لذهاب عقله لشدة عشقه. وكان يقول في الرواية:
"أنا المجنون في حبك، العاقل في قربك، المخبول أثناء بعدك."
تزوجت ليلى من ورد، ووصل الخبر إلى قيس، فنسب له هذا الشعر عندما رأى أطراف أصابعها مخضبة بالأحمر:
وَلَمَّا تَلَاقَيْنَا عَلَى سَفْحِ رَامَةَ
وَجَدْتُ بَنَانَ الْعَامِرِيَّةِ أَحْمَرَا
فَقُلْتُ: خَضَّبْتِ الْكَفَّ بَعْدَ فِرَاقِنَا؟
فَقَالَتْ: مَعَاذَ اللَّهِ، ذَٰلِكَ ما جَرَى
وَلَٰكِنَّنِي لَمَّا رَأَيْتُكَ رَاحِلًا
بَكَيْتُ دَمًا حَتَّى بَلَّلْتُ بِهِ الثَّرَى
مَسَحْتُ بِأَطْرَافِ الْبَنَانِ مَدَامِعِي
فَصَارَ خِضَابًا بِالْأَكُفِّ كَمَا تَرَى
في الختام، لم يجتمعا رغم عمق حبهما، رحم الله قيسًا وليلاه… لم تكن مجرد قصة حب، بل تاريخًا لصراع الإنسان مع المجتمع والعادات والتقاليد؛ رواية تجسد معاناة عاشقين حين أصبح الحب جريمة لا تُغتفر. ما أعذب لغة هذه الرواية التي جسدت هذا الصراع، وما أرقى معانيها.
تَعَشَّقتُ لَيلى وَابتُلِيتُ بِحُبِّهَا
وَأَصبَحتُ مِنهَا فِي القِفَارِ أَهِيمُ
وَأَصبَحتُ فِيهَا عَاشِقًا وَمُوَلَّهًا
مَضَى الصَّبرُ عَنِّي وَالغَرَامُ مُقِيمُ
فَيَا أَبَتِي إِن كُنتَ حَقًّا تُرِيدُنِي
وَتَرجُو حَيَاتِي بَينَكُمْ أُقِيمُ
فَجُدْ لِي بِلَيلى وَاصْطَنِعْنِي بِقُرْبِهَا
أَصِيرُ لَهَا زَوجًا وَأَنتَ سَلِيمُ