الكتاب رقم 47/2023
شمس اليوم الثامن
ابراهيم نصر الله
عبر 134 صفحة وفي جلسة صغيرة سريعة كانت مع شمس اليوم الثامن احد اصدارات نصر الله للعام 2023 وهي كرواية لا تعد من ضمن روايات الملهاة وان لم تصل الى هذا المستوى فهي رواية طفولية سردية بسيطة رموزها ربما اراد ان يعيد ذكرى والدته التي توفيت 2019 عبر روايات الاجداد حيث تحدث عن اهداء الكتاب الى روحها فقال "رحلت أمي في نهاية تشرين الأول 2019، كانت هذه الحكاية هي الأكثر حضوراً بالنسبة إليّ، إذ بتّ، مثلما كانت أمي، أفتخر بها كإرث شخصي، وربما ما يجعلني أن أقول: إنها إرث شخصي حتى الآن.. هو أنني لم أقرأها من قبل، وقد قرأت الكثير جدّاً من الكتب التي تضم حكايات شعبية، ولم أسمعها من أحد، رغم أنني سجلت الكثير من القصص من أفواه الناس مباشرة، لذا، ولسبب ما، أحسستُ أن كتابة هذه الحكاية رواية، أجمل هديّة يمكن أن أقدمها لروح أمّي".
رواية تنتمي لسخرية الواقع عبر الاسطورة فالجدة احسنت صياغة الاسطورة الى الاحفاد لتبقى فلسطين عي الاسطورة حيث يتخيل الكاتب فلسطين بدون احتلال يتخيلها معطاءة فيها كل الخيرات والثمر (فالارض) هنا هي العطاء ، (والنخلة) هي الجمال عبر مذاقها الجميل وهي الغذاء والدواء رافقت السيدة مريم بعد ان ولدت المسيح عيسى ابن مريم ، (والجمل) هو الوسيلة والصبر والقوة ، ( والطير هو الحرية ) اما علي فهو الانسان أجاد الكاتب وصف فلسطين من خلاله حيث وصف المدن الفلطسينية، وجمالها غزة وحيفا وعكا ونابلس والخليل والقدس وإستقبال الجميع للجمل والنخلة وقطعة الأرض العالية، الطيور التي قررت مصاحبة الكوكب العجيب، أيام متتاليية، رحلة بحث دؤوب حتى النهاية، الميلاد.
ياخذذنا نصر الله الى فلسطين عبر جمل علي في رحلى لها من السرد والرمز الشيئ الكثير ، عبر مزج بديع لنصر الله بين الفنتازيا والحلم، والامل فالرحلة التي لم تكن عبثية، فرغم غرائبيتها بكامل تفاصيلها، انتهت به ليولد من جديد في "الهادية"، حيث الخيول البيضاء لا تزال تصهل، وحيث رائحة المُهجّرين قسراً من ديارهم في فلسطين تفوح في المكان، وحيث الجمل والنخلة والأرض الحمراء الخصبة التي سعى ولا يزال الاحتلال لتهويدها، بعد مصادرة الكثير منها.. إنها سرديّة تحدّ بشكل أو بآخر، وسرديّة أمل، عبر إتمامه النصف الثاني من الحكاية غير المكتملة التي ورثها عن أمّه التي تتنقل سرداً من "طفولتي حتى الآن"، لتضيء رفقته ورفقة "عليّ" الذي يحمل اسم ابنه واقعاً.
وتدور أحداث الرواية القصيرة هذه في فلسطين العام 1900، عبر حكاية الفتى "علي" الذي يملك جَملاً يرفض بيعه تحت أي ظرف، حتى تقع من يد راكب الجمل، ذات مرّة، نواة تمرة في "خرج" الجمل المليء بالتراب، فتنمو نخلة صغيرة سرعان ما تكبر حتى تطرح ثمر البلح من حيث هي، بعد فشل كل محاولاته في اقتلاعها من مكانها، وزراعتها في الأرض، وسط حالة امتعاض يعبّر عنها الجمل الذي لا يريد أن تغادر النخلة "المعجزة" حيّزه المكاني والعاطفي أيضاً.
يقترب طير ليأكل من ثمار "نخلة جمل عليّ"، فيقذفه طفل بحفنة من طين تضّل طريقها لتحط على النخلة، ومع الوقت تتمدد حتى تتحول قطعة أرض، يكتشف عليّ حين يتسلق النخلة حتى عاليها، أنها أكبر ممّا كان يعتقد، وأن بإمكانه من أعلى نخلته ونخلة جمله أن يرى قريته والقرى المجاورة لها، بل ويرى من على سطحها مدينة القدس أيضاً.
يقرّر عليّ زراعة أرضه هذه قمحاً، ويساعده على ذلك خصوبة تربتها التي باتت تحتضن النخلة في حيّز "خرج الجمل"، ما يدفعه لوضع قيود ذاتية لخيارات قد تبدو أكثر نجاعة حال لم يكن حيّزها إعجازيّاً، كزراعة البطيخ مثلاً، والتي تجاهلها لصعوبة تنفيذ الأمر في ومن ذاك الحيّز.
"ذات يوم قالت لي جارتي العجوز: لماذا لا تتزوّج يا عليّ؟، فأنت فتى لطيف وصاحب الأرض العالية، وليس من الصعب أن تجد فتاة طيّبة تقبل الزواج منك.. ما قالته كان بالنسبة إليّ مفاجئاً، إذ ذكرني بأهم شيء نسيته تماماً، وهو أنني لم أولد بعد.. قلت لها: عليّ أولاً أن أبحث عن امرأة ترضى أن تكون أمّي، ورجلاً يقبل أن يكون أبي.. لم تفهم المرأة العجوز ذلك، بل أحسّت بأنها تقول لنفسها: لقد أصبح مجنوناً هذا الفتى العاقل الوسيم".
قرّر علي الذهاب في رحلة للبحث عن أم وأب له، مصطحباً الجمل بما يحمل.. "زرنا مدناً كثيرة، لكننا لم نوفّق في العثور على أب مناسب وأم مناسبة لي"، وفي الرحلة يحطّ في "الهادية" وهي ذات القرية المتخيّلة التي كانت دارت فيها أحداث رواية "زمن الخيول البيضاء" الأيقونيّة، حيث يلبي دعوة المشاركة في حفل عرس أحد أبنائها المدعو "خليل"، وهنا تأخذ تفاصيل العرس وطقوسه المرافقة حيّزاً ليس قليلاً من السرد.
"بعد تسعة أشهر وخمسة عشر يوماً، سمعتُ نفسي أبكي، فعرفتُ أنّني ولدتُ.. كنتُ أريد أن أطمئن على شيء واحدٍ لا غير في تلك الغرفة: أن أرى وجه أمي.. لم تسمح لي بقايا ماء الرّحم في عينيّ، ولا الدم على جفنيّ أن أرى بوضوح، فركتُ عينيّ.. ضحكتُ.. كانت هي.. وانتظرتُ على أحرّ من الجمر كي يطلّ أبي، وأخيراً أطلّ.. ضحكتُ.. كان هو".. ومرّ أسبوع طويل وهو في الغرفة الصغيرة، بعد أن وُلد من جديد،