فِيما مضى، كان التجريب في الكِتابة أسلوبًا عِلاجيًا لديّ دون أن أدري، فقد كتبت أغلب هذه القصص بينما كنتُ أعاني من الاكتئاب الحاد، وكان التعبير عبر هذه الأفكار مساحة لِي لأرتب الفوضى والتناقضات داخلي، ولأتعامل مع ما كان يأكلني من الدَّاخل. خضت حروبًا مع نفسي في نفسي. شهدت انكسارات كثيرة وهزائم مُتعددة. سافرتُ إلى أماكن مُتعددة فِي عالم الخَيال محاولًا البحث عن ظلٍ آخر، ولكني كنت دائمًا، أضع النقطة الأخيرة في نهاية كل قصة، وأعود إلى الواقعِ. أعود لأتعامل بالأدوات الجديدة التي ساعدتني بها شخصياتي الكثيرة والمُتعدّدة.
طوال السنوات المَاضية حاولت أن ألّا أتلاعب في المجموعة لأي غرضٍ كان، سواء من ناحية التحرير أو النشر، ولم أتمكن حتى الآن من الانتهاء من مجموعتي الثانية، لأن عليّ الانتهاء من الأولى، ويُملي علي صوتي (أصواتي)، أن أنشرها كما هي، وفاءً للسنوات السوداء التي عانيت فيها وأخرجت مني هذه النصوص.
لا أُحبِّذ تقديم النصائح ولا الإرشادات إلى القارئ في أي عملٍ، ولكني كعادتي عند نشر نصوصي، أنشر معها تحذيرًا. فالتصنيف على الغلاف لا يشير إلى أفق توقعٍ لقراءة قصص لها بداية وذروة ونهاية، ولا قصص تخرج منها بحكمة أو فائدة أخلاقية، بل هِي قصص مفتوحة، مفتوحة التوقع، ومفتوحة القيمة. ليس عليك إلا أن تقرأ وأن تتعامل مع النَّص والنَّص وحده، أما أنا، من كتبت القصص، فقد متُّ منذ سنوات كثيرة، ومن يكتب التقديم الآن هو نسخة طبق الأصل عنّي، عاشت نفس تجاربي، إلا أنها شخصية أخرى من الشخصيات المُتعددة، والتي أعيدت ولادتها بالخروج من الاكتئاب، والخروج من غزة، والخروج من الصدّمات المتواصلة والمتوالية.
أنس سمحان
الدوحة – قطر
3 مايو 2024