شدني الملخص الترويجي لرواية بالة هموم على صفحة دار إشراقة قبل بداية موسم معرض القاهرة الدولي للكتاب 2024، وقررت وقتها حتمية اقتنائها، لا أذكر الملخص حرفياً، ولكن أذكر أنه كان يدور حول كون بطلة الرواية تكتشف قوى خارقة لديها عندما ترتدي ملابس مستعملة؛ فتنتقل روحها إلى جسد مرتديها السابق، وتعيش مشاعره وتتلبس بهمومه، شدني الأمر لأنني وبخلاف عدم تمتعي بأي قوى خارقة من أي نوع إلا إنني أعيش مشاعر الآخرين وأتلبس بهمومهم بمجرد أن يخبرونني بها.
ربما ينسى الآخرون ما حكوه لي عن مشاكلهم، ويندمجون في أمور أخرى، وأظل أنا ليالي مؤرقة بإيجاد حل لتلك المشاكل، وكيف كنت سأتصرف لو أنني مكانهم؟؛ لذا أردت أن أستكشف عالم من قد يتلبس جسد الآخر فعلاً ويواجه معه مشاعره وأفكاره، كيف سيكون رد فعله، وكيف سيتصرف؟ هل سيستطيع حل مشاكله بالفعل أم أنه سيزيد الطين بلة؟ وإذا كنت أتخيل نفسي مكان أشخاص حقيقين في حياتي وأعيش مشاكلهم معهم؛ فلست أقل من أن أتقمص شخصية روائية أيضاً وأعيش بدلاً عنها أحداث الرواية.
وقد كان بالفعل من أهم مهام جدول أعمالي العظيم في معرض الكتاب هو شراء رواية بالة هموم من جناح دار إشراقة، والتوجه إلى الكاتبة فيبي فرج على دراجة القهوة أمام صالة 2 وفرع الخدمات اللوجستية؛ لتوقع لي الرواية وأحتسي القهوة (حسناً نسكافيه لإني لا أحتسي القهوة أصلاً ولا أسمع فيروز وأنا أقرأ)، وبالطبع لم أقرأ شيء طوال فترة المعرض، كان كافياً جداً طوال تلك الفترة أن أستيقظ من نومي لأذهب إلى المعرض وأعود للنوم مرة أخرى حتى ألحق بالذهاب في اليوم التالي.
وبعد انتهاء المعرض عدت إلى أسيوط وظلت رواية بالة هموم مع رفاقها من مشتريات المعرض في القاهرة، إلى أن عدت لهم مرة أخرى بعد رمضان والعيد، كنت في حالة حزن نتيجة وفاة أحد أفراد عائلتي، وشعرت برغبة في قراءة رواية بالة هموم بالتحديد، ولا أدري سبباً منطقياً محدداً لتلك الرغبة، كأنها هاتف ما ناداني بذلك، وبالفعل أخرجتها من بين الكتب، وبدأت في قراءتها، ولن أكون مبالغة إذا قلت إنني كنت ألتهمها التهاماً، ولولا أنني كنت مستيقظة منذ يومين حين بدأت في قراءتها؛ لأنهيتها في جلسة واحدة، ولكن نداء النوم كان أقوى.
لا يحدث هذا معي عادة أثناء القراءة، لا أقرأ أبداً بهذه السلاسة؛ فكثيراً ما أتوقف أثناء القراءة، إما لملل أصابني أو لأنني أحتاج إلى التفكير أو استيعاب شيء ما غمض علي، أو أحتاج للرجوع إلى أحداث سابقة في العمل للتركيز فيها حتى أفهم اللاحقة، قد يعد هذا جيداً وأمراً مرغوباً في أعمال فلسفية فكرية هدفها بالأساس تغيير أو خلخلة أفكار معينة وإحلال غيرها، ولكن رواية بالة هموم للكاتبة فيبي فرج على الرغم من كون الاسم الذي يحمل كلمة هموم قد يلقي إحساساً بالضيق في نفس القارئ وأنه مقبل على جو من الأحزان والكآبة، إلا أن هذا لم يحدث.
على العكس الرواية خفيفة الظل إلى حد كبير، أحداثها بسيطة ومشوقة في نفس الوقت، وتخيلتها في فيلم سينمائي لطيف سيكون أمراً رائعاً لو تم، قلت في بداية كلامي أنني "لست أقل من أن أتقمص شخصية روائية أيضاً وأعيش بدلاً عنها أحداث الرواية" أليس كذلك؟ حسناً لم أحتاج للتقمص كنت أنا فعلاً ملك في كثير من المواقف، توقفت أمام الكثير من حواراتها الداخلية لنفسها أقول لنفسي: حقاً! أليس هذا حواري الداخلي في مثل هذا الموقف؟! كيف لها أن تعرفه؟!
النهاية: جاءت النهاية مفتوحة؛ لنفكر مع البطلة أي موقف قد تختار؟ عادة لا أحب النهايات المفتوحة، أريد دائماً أن أعرف يقيناً كيف انتهت الأحداث في ذهن خالقها، ولكن على أية حال ما دام قد ترك الأمر لي لأختار كيف تكون النهاية؛ فإن النهاية بالنسبة لي محسومة، وربما هذه هي الرسالة بالأساس من رواية بالة هموم للكاتبة فيبي فرج، أننا مهما امتلكنا من قوى خارقة لن نستطيع تغيير الأقدار، وحتى إن حاولنا لن تكون خياراتنا أبداً أفضل مما هو مقدر لنا، نحن فقط سنعذب بمعرفة الحقائق المخفية عنا.
#بالة_هموم للكاتبة #فيبي_فرج
#جولة_في_الكتب #روايات
#سارة_الليثي