رواية "الكلب الذي رأى قوس قُزح"
بقلم عصام الزيات
بطل الرواية "السيد" الذي تعصف به أحداث الزمن وتقلبات الدهر، لحظة عابرة تجمعه مع غريب في عربة القطار تُغير مسار حياته كله، يسعى السيد جاهدا أن يكون ذلك اللقاء نقطة إنطلاق لحياته وأحلامه ولكن دائما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.
عن السيد الذي أخطأ الحِسبة البسيطة التي قام بها، وبدلا من أن تُقبل الدنيا عليه وتأخذه بين أحضانها وتُذيقه من نعيمها لفظته خارجها وطردته شر طردة وتنكر له كل من يعرفه.
رواية تجمع بين طياتها كل التناقضات بشكل مُعقد كما في الحياة ولكن الكاتب صاغ كل تلك الصراعات بشكل سلس و مُتقَن وغير متكلف.
شعرت خلال رحلة القراءة أن البيوت من لحم ودم تماما مثل البشر وأنا الذكريات حية تنبض طالما تحيا بداخلنا وأن كل إنسان مهما كان مُهمشََا وغير مرئي فهو له عالم يدور حوله وربما كان هو مركز ذلك العالم!
أمسك الكاتب بيدي وألقاني في خضم الصراع كي أستشعر لهيبه وتسارع أحداثه عن قرب كأني جزء لا يتجزأ منه ..
تعاطفت مع خميس القرموط الذي لم يعرف إلا البحر وتلاطم أمواجه والعوم في مياهه فيفاجأه القدر بأن يأتيه الموت بالطريقة الوحيدة التي ظن أن تجارب الحياة قد أعطته مناعة ضدها
ومع "خُلود" التي شعرت أن وجودها القصير في حياة السيد كان أشبه بنسمة باردة في يوم شديد الحرارة، فقط بحضورها يقل الألم ولكن أثرها لا يدوم طويلا ..
عن الفقر وما يسببه معه من كرامة الإنسان واحترامه لنفسه
عن المرض عندما يشعر المرء أنه أثقل من الجبال على قلوب أحبته ..
عن الأحلام التي ننسجها ونتخيل أننا نصعد عليها نحو القمة ولكننا في الحقيقة نحفر قبورنا بأيدينا ونهوى بأنفسنا للقاع!
عن الأرض والذكريات والعُمر وعن مسحة الحزن التي تُغلف كل شيء في الحياة لنتذكر دائمََا أنه لا شيء كامل ولا باقي إلا وجه الله ..
-عن "قوس قزح" خاصتنا الذي نتمنى لو نراه بوضوح ونتمتع بألوانه البديعة، ولكن لحظة تكشف هذا النور بوضوح ربما تحتاج لصدق وصفاء وتضحية أكثر مما نتوقع، ربما يحدث هذا فقط في اللحظة التي تسبق النهاية حيث يكون قوة البصيرة أقوى من البصر..
-عمل أول رائع ومُتقن، منسوج بحرفية وعلى نار هادئة، كل شخصية أخذت حقها في السرد والوصف وتصوير معاناتها الداخلية بشكل منفصل، كل شخصية كانت واقعية وحقيقية لدرجة تُشعرك أنك تعرفهم جميعا، تتشابك الخطوط جميعها مع بعضها البعض دون أن تطغى كل منها على الأخرى، مصطلحات الريف حاضرة في الرواية تارة بشكل هزلي وتارة بشكل جاد مما أكسبها مصداقية لأن البطل هو ابن الأرض وترعرع في خيرها.
-وأخيرا رواية لا تنتهي بمجرد قرائتها لأنها تتركك وعقلك مليء بالأسئلة عن الحياة والموت والأحلام ..