من الحارة المصرية، وعبر رصد وتأمل تفاصيل علاقتنا بالتكنولوجيا وشبكات المعلومات، مع قدر من استشراف المستقبل، يكتب محمد عبد العاطي روايته "حارة عليوة سابقًا"، وهي روايته الثانية، سبقها "تريند" التي يتضح من عنوانها اهتمامه بهذا العالم بشكلٍ أساسي، عالم وسائل التواصل الاجتماعي وأثرها على الأفراد والمجتمع.
يعود محمد عبد العاطي بالزمن سنواتٍ إلى الوراء، ليرصد كيف كانت البدايات، ومن خلال لقطاتٍ ذكية ومكثفة يعرض عبر تسع فصول ما طرأ من تحولات في طرق تعاملنا واستخدامنا لعالم التكنولوجيا، كل ذلك داخل إطار حارة عليوة وسكانها، متنقلاً في الزمان ببساطة من لحظة البداية التي يختارها بإنشاء "بريد الكتروني" 2003 من خلال شبكة واحدة من شركات الكمبيوتر الحديثة، ثم وجود جهاز الكمبيوتر الذي يفرض وجوده في واحد من بيوت هذه الحارة البسيطة 2004، وكيف يكون التعامل معه، ثم رصد كيف تتغيّر علاقات الناس وتتداخل وتتشابك المصالح من خلال "وصلة الانترنت" 2006
ثم يقفز بنا عبد العاطي قفزة زمنية لست سنوات حيث انتشرت الهواتف الذكية وأصبحت في يد الجميع، بل وتحوّلت طرق البحث عن شريكة الحياة إلى تطبيق على الموبايل في 2012، حتى يصل بنا إلى التأثيرات الكبرى التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي ليس في حارة عليوة فحسب وإنما في العالم كله من خلال "الهاشتاج" العالمي ME_Too (وأنا أيضًا) عام 2017 والذي كان مخصصًا لمواجهة ظاهرة التحرش ودفع الفتيات لتحدي كل العقبات الاجتماعية والنفسية ومواجهة المتحرش وفضحه على الملأ وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وكان لذلك الهاشتاج أثر ووجود في حارة عليوة البسيطة وبناتها الذين واجهت تلك الظاهرة في أماكن عمل مختلفة.
هكذا ينتقل بنا محمد عبد العاطي في روايته من الخاص للعام، ومن الظواهر والمشكلات المصرية والتعامل معها إلى ما يمكن أن يكون انفتاحًا على العالم بتجاربه ومعارفه المختلفة، والتي كانت التكنولوجيا والانترنت أحد أهم أسبابه، وهو إذ يرصد ويعرض تلك المشكلات بتكثيف شديد يثير لدى القارئ الكثير من الأسئلة التي تتعلق بدور هذه الوسائل والوسائط التي فرضت حضورها ووجودها على يحاتنا وصبغتها بصبغة خاصة، قد لا تكون هي الأفضل بالضرورة!
عشرون عامًا تقريبًا، يرصد فيها محمد عبد العاطي من خلال محطات منتقاة بعناية عدد من ظواهر التكنولوجيا وأثرها على مجتمع وناس حارة عليوة، حتى يتوقف بنا في هدنةٍ تبدو مقصودة تمامًا، لاسيما بعد فصل مواجهة التحرش ومواجهة ظاهرة التنمر، الذي ارتفعت فيه وتيرة الأحداث بشكلٍ كبير، ينتقل بنا إلى هدنة "الآن" .. والتي نعرف أنها عام 2021 تقريبًا، وقت نشر الرواية، وفيها تظهر السياسة لأول مرة في الفصل الذي يحمل عنوان (شارع العلا ..حارة عليوة سابقًا) حيث نجد ابن أحد أثرياء حارة عليوة يجتمع بأفرادها لكي يرشح نفسه لمجلس الشعب، ويدور سؤال تهكمي بين بعض شباب الحارة ولكنه دال جدًا ( انتخابات وسياسة؟ لماذا؟ أمازالت هذه الأشياء موجودة أصلاً؟)
............
من مقالي عن الرواية