لا يمكنني أن أفي هذا الكتاب حقه وحق كاتبه عليَّ ما حييت. فقد شاءت الظروف أن أعرف صاحب الكتاب قبل كتابه، لكنني سأوجز ما أمكن.
جلال الشايب روائي فرز أول، لذا عندما يشرع في تأليف هذا النوع من الكتب -سأسوق عدة كتب موازية كتبت مثله لكن عن علوم وشخوص مغايرة للغرب- نسق الكتاب غير مألوف لدينا.
أعود لخلفية المؤلف قليلا، فهو كأكاديمي حاصل على الدكتوراة، وصحافي، وفيسبوكي مخضرم يبحث عن حلبة لا ينافسه فيها أحد، فتجده ينشر يوميات رجل عادي في الثورة، مجموعة مقالات كتبها على الفيس، رواية، كتاب علم نفس شعبي، ومؤخرا هذا الكتاب العجيب!
لا يمكنني أن أتخيل كيف يفكر هذا الرجل، فهو يمتلك ناصية سرد روائي خارقة تفوق مستوى أي روائي على الساحة، لكنه يقرر يكتب بكل بساطة سيرة ملطفة لأناس غير لطيفة - أقصد شخوص ملغمة- المعلومات المترسخة لدى مجتمعاتنا العربية مفخخة- هذا الرجل يبحث ببساطة عن خريطة ألغام فكرية لينزعها بمبضع جراح ماهر، أو لو اضطره الأمر -يدوسها بثقل قلمه متحملا كل الخسائر ملء إرادته-
أعود وأتخيله تقريبا قبل بداية الجائحة بشهور، يعتكف بمكتبه يبحث عن شرارة تدفعه ليخوض غمار تأليف لغمه الجديد، إذا به يقرر خوض غمار تلافيف عمالقة بحجم ستيوارت مل، داروين، كارل ماركس، ديستوفسكي، تولستوي، فرويد، نيتشه، برتراند راسل، آينشتاين، ثمانية عشر عظيما لم يتسع خلق دار النشر لطبع البقية، رجال من قرن واحد ألهموا بعضهم البعض في مجالات ومذاهب مختلفة أفكارا وقيم عظيمة.
لا يخبرك جلال الشايب بمادة جافة سيرتهم العبقرية، بل يدخلك في صالونهم، وسط أفراد عائلتهم تستظل بدفء حياتهم، أو تتسخط من ويلات الحروب النفسية التي قاوموها أو حتى الشرور التي راودتهم عن الاستمرار والاستسلام للظروف، جنون نيتشه، طفل كارل متركس، معارك تولستوي مع زوجته، إعدام ديستوفسكي، زواج مل من حب عمره، سجن راسل، والهجوم المجتمعي والكنسي على داروين وفرويد، ومآسي آينشتاين مع زوجته الأولى، يا إلهي!
إنه رجل مدقق، حتى الأفكار داخل روؤسهم تعرض لها كأنه تقمص شخصياتهم -استخدم موهبته الأصل- لن يمكنك التوقف عن قراءته ما أن تبدأ، كأن الشخوص تمتلك روحا واحدة، لقد بثها المؤلف روحه، كتاب غير موجود على قائمة مكتبتنا. يجب أن يتبع بكتب كثيرة على هذا النسق، د. جلال له السبق دائما.