لاشك أن عوالم التاريخ مُمتدة عميقة ليس لها حدود ولا انتهاء، وبعد فترة ليست بالقليلة من تعلقي بالتاريخ وحبي لدخول عوالمة القديمة والحديثة تبين لي أن التاريخ واحد، وأن المواقف والأحداث ثابتة لا تتغير حتي بتعدد الكتابات وتناول الوقائع، وأن مصادر التاريخ دائماً تعود لأمهات الكتب أو كبار عناوينها ومؤلفيها الذين عاصروا الأحداث وشهدوا بما رأوا أو سمعوا.
حينها أدركت أن المعني الكبير للتاريخ ليس في سرديتة ولا جسامة أحداثه، ولكن في التحليل المناسب والرؤية الموضوعية لتفسير هذا الأحداث، والنظر لها - حتي وإن كانت من الماضي - بما يعود علي الحاضر باستخلاص العبر وفهم سياقات المستقبل، فالتاريخ في ذاته عجلة دائرة، تُعيد نفسها مئات المرات مهما تغيرت الأسماء واختلفت السنون والأزمان.
في هذا الكتاب حروب، صراعات، فشل كبير، والتئام حاد، دمار هائل، ونجاة كبيرة، كل ذلك حدث بمحض الصدفة،
وإن كان الناظر لبعض مواقف الكتاب قد عرفها مُسبقاً ومر عليها لأنها كبيرة ومشهودة، فإنه لم يصل في طريق القراءة والبحث إلي النقطة التي أوضحت أن الصدفة كان لها عاملٌ كبير في صنع الحدث، والتي لولاها لما وقع الحدث أصلاً أو ربما تغير أو تبدل.
وقعت أحداث الفتنة الكبيرة بين الصحابة رضوان الله عليهم، نشأ عن هذه الأحداث فرقاً وجماعات كثيرة وتبني كل منها رأياً ذا نسق ديني وله استدلال واضح في صريح الكتاب أو السنة، ولأهمية هذه الوقائع وتبعاتها فقد أورد الكاتب ذكرها في أحد الفصول مُعنوناً بأهمية النظر للتوابع والفرق التي نشأت مُصادفة، لكن الفصل احتمل الحديث الطويل عن وقائع الفتنة وأحداثها وبعدها تطرق إلي التبعات التي هي أصل العنوان بقدر ضئيل من المعلومة والذكر.
من الفصول المهمه والمُثيرة هي الحرب الأولي التي خاضتها مصر ضد إسرائيل دفاعاً عن فلسطين في العام ١٩٤٨، والتي انتهت بهزيمة الجيش المصري وحلفاؤة العرب، كانت هذه اول واقعة حربية للجيش المصري بعد فترة من توقف عن الحروب، ما أزّم الأمور أكثر هي صفقات بيع الأسلحة الفاسدة التي انخرط فيها الملك بحثاً عن تدعيم للجيش بعدما رفضت الدول الكبري عقد أية صفقات سلاح مع العرب،
ثم أتبع ذلك الدخول لفترة تاريخية غيرت شكل مصر ووضعتها في طريق الجمهورية علي يد حركة الضباط الأحرار التي قامت في العام ١٩٥٢.
وكما أن الصدفة كان عاملاً مُباشراً لنشئة جماعات وتناحرها ولقيام حروب دولية وعالمية وإحلال تدمير كبير بمدن وبلدان العالم، فإنها علي الجانب الآخر ساهمت بشكل فعال جداً في مساعدة البشر في التغلب علي البكتيريا القاتلة، وكانت سبباً كبيراً لأن يكتشف الكسندر فيلمنج لأول مرة تركيبة المضاد الحيوي ( البنسلين ) في عام ١٩٢٨ من خلال موقف حدث بالصدفة.
بالنسبة لقارئ يهوي الإلمام بجوانب متعددة من التاريخ فلن يجد في سياقات الكتاب أي جديد، لكنها فرصة جيدة جداً لأن ينظر الشباب بتمعن إلي الأحداث التاريخية الموجودة في الكتاب والمكتوبة بأسلوب بسيط ومناسب لقارئ حديث عهد بالتاريخ أو يحب أن يجد مدخلاً لقراءتة.
#مسابقة_قراءات_قبل_المطبعة.
#دار_الرسم_بالكلمات.