"هو يركض، حياته كلها سلسلة من الركض المتواصل. هو هارب. هارب من كل شيء حتى من نفسه."
من معاني اللون الأزرق ودلالاته المُتعددة: الهدوء والاسترخاء والبرود، وذلك النقيض تماماً لما يشعر به بطل الرواية؛ الذي فر هارباً من كل مشاكله وأوجاعه طمعاً في جنة موعودة، يرتاح فيها باله وتُشفى جراحه الملتهبة، وكأن المشكلة في الأرض لا في الإنسان.
من الصفحات الأولى في هذه الرواية ستشعر بأنك تقرأ رواية مختلفة مُميزة وليس فقط لأن موضوعها شديد العمق ويتشابك الإنسان المعاصر معه في أشياء عديدة، ولكن طريقة كتابة الرواية نفسها مختلفة، فالرواية مكتوبة بطريقة سينمائية، حتى أنك تكاد تشعر بالمونتاج الذي يلحم المشاهد ببعضها، الماضي بالحاضر، لحظة استدعاء البطل لأحداث حياته التي أدت إلى مأساته الحالية وبالتالي مصيره الذي يعيشه، الأسباب والنتائج، بتتابع متلاحق وسريع، وحوارات لا تقل فلسفة عن الأحداث.
رواية "كانت السماء زرقاء" بمثابة صرخة تجاه الالتزامات التي وُضعت على الإنسان المعاصر، القيود المختلفة التي تُكبلنا، لا بُد أن تتبنى الآراء السياسية التي تفرضها عليك الدولة بلا اعتراض، لا بُد أن تعمل حتى لو رغبت بعكس ذلك، لا بُد أن تتزوج حتى لو لم ترغب بذلك، وقدرة المجتمع الهائلة على توجيهنا تجاه أنماط متشابهة وآراء متكررة، قيود تلو قيود حتى تُصبح الحرية مزحة لا تُضحك بالضرورة.
كما يُشير الاقتباس بالأعلى بطل الرواية هارب من كل شيء، السياسة والدين والمجتمع، كفر بهم جميعاً، ولا يؤمن بجدوى الحياة، يراها عبثاً، ويرى العلاقات الاجتماعية على أشكالها المختلفة عبئاً زائداً وتعقيداً أكثر مما تحمله حياته، فترك عائلته وزوجته وابنته وحبيبته من أجل اللاشيء، هرب إلى المجهول، يُحاول التمرد على كل شيء، حتى نفسه.
الرواية على قصرها تعج بالأحداث، عمل الكاتب على اختزال السرد إلى الحد الأدنى، مع الإكثار من الحوارات التي تبوح بكل شيء، عن بطل الرواية الأساسي وعن معاناته وعن رؤيته للعالم من حوله، وتلك الأزمة الوجودية التي ألقت به إلى الهرب، لتتعدد إجابة سؤال واحد، ما الذي أشعل فتيل الهرب لدى البطل؟ السياسة أم العلاقات الاجتماعية؟ وما الذي يجعل إنسان يهرب إلى المجهول خوفاً من مجهول آخر؟ هذا هو السؤال الذي وضعه لنا إسماعيل فهد إسماعيل لنجاوبه.