كعادتي عندما انتهي من رواية أحببتها، تُحاصرني تساؤلات عديدة، وكان أبرزها: لماذا لا يتم قراءة "المستنقعات الضوئية" بشكل أكبر؟ ولماذا لا يتم قراءة "إسماعيل فهد إسماعيل" بعيداً عن عمليه الأبرز والأشهر؟ فهذه الرواية القصيرة من أدب السجون، والتي يُمكن أن تلتهمها في جلسة واحدة، أسرني جمالها، وتكثيفها، لمستني سوداويتها المقيتة، وأزعجتني واقعيتها حتى النهاية، فرغم مرارة الحياة، أحياناً يأخذنا العشم ببعض الأمل، كحال "حميدة" بطل الرواية، الذي سُجن بسبب جريمة ارتكبها دفاعاً عن أخر وليس عن نفسه، وكإنها رسالة بأن نظل بجوار الحائط ولا نتدخل في الطبيعة الحيوانية التي يتحول إليها العالم.
بسبب جرمه في نظر المجتمع، يعيش حميدة أياماً عسيرة في سجنه، يحترمه الجميع ويُحبه حتى لو تجاوز في حقهم، له مهابة حقيقية بسبب مأساته وليس جرمه، قليل الكلام لا تكاد تسمع صوته، ولكن عندما يتكلم، تتعجب من أن هذا الصامت يقول مثل هذه الأفكار، وذلك ما يُثير إعجاب من حوله، ولكنه لا يستغل أياً من ذلك، فهو يرى الحياة عبثية، أحياناً يتأرجح بين رغبته في الإنتقام الدنيوية، واقتناعه بأن كل ذلك لا جدوى له، فماذا بعد أن ينتقم؟ نفس الدائرة، وهو ما أكدت عليه النهاية، بأن حياته ستظل مثل سيزيف، يُعاقب على جرمه للأبد، في دورات متكررة مملة، وحتى لو قرر أن يمرح في أحداها، يعلم جيداً أين ستكون النهاية فيعود ليدور في نفس الدائرة عمداً، ولكن، السؤال الأهم كيف تُكتب مثل هذه الرواية في عدد صفحات قليلة وتُفسر لك حياته، بل وترى حياته كلها عن طريق بعض الجمل البسيطة، الإجابة تكمن مع الكاتب "إسماعيل فهد إسماعيل" الذي استطاع أن يكتب عملاً مُكثفاً ولكنه لا يخل بالحكاية، فمثلاً بعض سطور قليلة تجعلك ترى حياة حميدة قبل الحادثة وقبل أن يُسجن، أفكاره، مهنته، علاقته بزوجته، إلخ، هناك من يفرد لتلك الأحداث صفحات، وهناك من يكتب جمل قليلة تكفي وتوفي، ولا أظن أني قرأت من يقوم بالنوع الثاني مثل إسماعيل فهد إسماعيل.
ختاماً..
العمل السادس الذي أقرأه لإسماعيل فهد إسماعيل، ومع كل عمل أقرأه يزداد تقديري له، وإعجابي بكلماته وتجربته الكتابية بشكل عام، فالرجل الذي كتب رواية بحجم "في حضرة العنقاء والخل الوفي" فيما يقرب 400 صفحة، يكتب رواية في ربع عدد صفحاتها، ولا تزال الدهشة والإمتاع حاضرين في كلا العملين.
3.5/5