اسم الكتاب: قصة صمود
اسم الكاتب: ندى محمد سعد
نوع الكتاب: سيرة ذاتية
دار النشر: دار ملهمون للنشر والتوزيع (متاح على أبجد)
سنة النشر:2023
عدد الصفحات: 161
ما أروع أن تخرج القصص والحكايات من رحم المعاناة الإنسانية، وكان لألم المرض نصيب كبير من الحكايات التي جسدت المرض وحكت عن تجارب ذاتية مع المرض. ومن هذه الإبداعات هذا الكتاب.
يسرد الكتاب سيرة ذاتية لفتاة(ندى) أصيبت بمرض نادر اسمه التليف الكيسي Cystic fibrosis نتيجة حدوث طفرة في جين معين مسئول عن مرور الماء والأملاح بين خلايا الجسم بشكل سليم وطبيعي، ويظهر تأثير الطفرة على أغلب أعضاء الجسم، وأهمها الجهاز التنفسي (الجيوب الانفية ــــــ الرئتان) والجهاز الهضمي (البنكرياس، المعدة، الأمعاء، الكبد) وهو مرض مميت حيث يؤدي في النهاية إلى فشل الجهاز التنفسي.
السارد في الكتاب هي(ندى) التي تبدأ حكايتها من مستشفى كليفيلاند كلينك بأبو ظبي حيث أجرت جراحة كبيرة بعد ما تعرضت للموت، ثم تعود للخلف لتروي حكايتها.
كان لندى ثلاثة من الأشقاء قبلها (عمر، نورا، إيهاب) مرض عمر ومات وعمره 10شهور بدون معرفة سبب تشخيص مرضه، ماتت نورا وعمرها 17 عاما، بعد أن تم تشخيصها بمرض نادر اسمه التليف الكيسي Cystic fibrosis، وكذلك أصيب اخوها إيهاب بذات المرض ومات وعمره 21 عاما.
عبر صفحات الكتاب تصحبك ندى في رحلة ممتعة تتقلب ما بين الألم والأمل، القوة والضعف، الفوز والخسارة، الجزع والصبر، الانتصار والانكسار، تجربة إنسانية عميقة فيها الكثير من العبر والدروس، تصف فيها تجاربها ومعاناتها وما استخلصته منها. ومحاولات مكافحة المرض من أجل الحياة.
اعتمدت المؤلفة على الكتابة بلغة مرهفة صادقة تلمس قلب القارئ من السطر الأول، كتابة على السليقة، بدون تزويق أو محسنات، لغة مصحوبة بالفكاهة والدعابة التي تدفعك للضحك وسط البكاء، ونجحت عبر الوصف المدهش للمشاعر والأحاسيس في إيصال التعاطف والتعايش مع آلامها، من دون الحاجة إلى السقوط في مطب الرثاء للذات عبر التكرار الوصفي والاستطرادات غير المجدية.
(وبعدين يا ماما؟ أنا تعبانة أوي، أنا نفسي في زرار أدوس عليه اختفي كدا تماما أو أعمل Stop بس كام يوم أخد استراحة ونرجع تاني)
(أنا تعبانة اوي يا طنط أكثر من كل مرة بجد خلاص هو إيه الحل، أنا ساعات بتخيل كدا هو التنفس العادي دا يبقى ازاي؟ يعني هل أنا ممكن في مرة اتنفس كدا من غير ما كح ولا وشي يحمر ولا نفسي يختنق؟ ياه أكيد إحساس حلو اوي)
(أنا مستمرة على الدواء ولسه في انتظار أموري تختلف، في انتظار كفاءة رئتي تبقى فوق ال 50% وحياتي تتغير واتنطط ويطلعي جناحان وأطير وكدا).
(مهما حاول الناس يحسسوك انهم مش تعبانين بسببك، انت من جواك لو عندك دم مش هتحب كدا، إحساس إنك محل شفقة دا إحساس مؤذي جدا، وياريت متخليش حد يحس بيه بدافع إنك كدا بتبسطه وتعطف عليه)
حرصت المؤلفة توصيل عدد من الرسائل لكل مريض ومنها:
الرضا بقضاء الله:
- عندما طلب جد ندى إنهاء الحمل خوفا من أن تكون مريضة بنفس المرض كان رأي والدها حازما بلا نقاش رد وقال: لا يا عمي هو احنا بنشتري طماطم وبنقي السليم ونرمي البايظ؟ دا طفل وروح ربنا رازقني بيه مينفعش أرميه وأرفضه، كل اللي يجيبه ربنا كويس وأنا راضي.
- في آخر أيام اختها نورا وهي في العناية المركزة، سألها والدها: أنت راضية يا نورا؟ ولم تكن تستطيع الكلام بسبب جهاز التنفس الصناعي والأنابيب الكثيرة فأشارت بيدها فوق وباست ايدها وش وظهر.
- ربنا يا ندى عايز يراضيكي عشان انت رضيتي تمام الرضا وسلمتي لدرجة حب الكلية اللي كنتي كرهاها.
- ان الانسان لازم يفرح مهما كانت الظروف ودا مش هيتحقق غير بخطوات معينة تبدأ بالرضا والتسليم ثم تنتهي بالإنتاج والعمل والايجابية.
- هذا المرض مميت لكنا مؤمنين بالله
- احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز
- ان نسينا نحن فالله لا ينسى
- لو عارف ان مرضك مميت بلاش تموت ميت مرة بالإحساس دا، وتخنق نفسك فيه، كفاية تموت مرة واحدة.
بر وطاعة الوالدين:
- عرفت يعني إيه البر والطاعة للوالدين سبب بركة وفتح وخير، وانت أول المستفيدين مش باباك ولا مامتك، انت اللي محتاج الطاعة مش هما.
- تفرق كتير اللي عامل نفسه راضي واللي بكل كيانه فعلا راضي وعايز يرضي اهله بكل صدق.
مظاهر لطف الله ونعمه:
- قصة نجاحها في الثانوية العامة وبتفوق (****%) رغم مرضها باستعانتها بالله والتوكل عليه بعد بذل الجهد.
- معاملة الممرضات والممرضين معها بإنسانية ورحمة.
- توفر دواء بفضل من الله (بلموزايم Pulmozyme ) بعد يأس وفقدان الأمل
- احساسك بالعزة او الثقة لا ينبع من قوتك ولا من صوتك العالي لكنه ينبع من ارتباطك بالله وكتابه العزيز.
الحرص على طاعة الله خير معين لك في بلائك.
- حرصها على الصلاة وحفظ القرآن وهي في العناية المركزة: اتعلمت الدرس أنه فعلا الصلاة شيء غير عادي، هي فضل ونعمة كبيرة تحتاج الشكر.
- ماما فكرتني بالصلاة وقالت: بصي يا ندى صلي حتى لو بعنيكي، لأنك دلوقتي مش هتقدري لا تتوضي ولا تتحركي ن لكن صلي بقلبك وبعنيك أنت معاك عذرك، لكن اوعي تقطعي صلتك بالله هي دي اللي هتقويكي
- تسخير الكون لأجلك هو بيد الله فقط، كنت دائما بطلب منه هو بس ـــ سبحانه وتعالى ــــ وأشوف بعدها العجب.
برغم مرضها ومعاناتها ، استشعرت مسئوليتها تجاه المرضى وحقوقهم فعملت على إنشاء قسم للتليف الكيسي بإحدى الجمعيات الخيرية لتوفير الدواء ونشر الوعي بهذا المرض
وختمت رحلتها الشجية بقول الدكتور مصطفى محمود : وهناك قوة خارقة تسمى اليقين بالله ، بها نتخطى أزماتنا، ونتحمل وندعو ونستمر في الدعاء ،حتى لو كانت الأبواب مغلقة والظروف ليست ميسرة وكل الأسباب توحي بعكس مانتمنى ، لكننا على يقين أن الله يصلح كل شيىءفي الوقت المناسب، لأننا نؤمن بالله وحكمته وتدبيره
وختاما:
القراءة في سِيَر الألم درسٌ بليغ في كيفية التعامل مع أحزاننا وآلامنا، وخطوة أولى لمحاولة التعاطف مع الآخرين في آلامهم، وخطوة مهمة جدًا لتقدير الصحة والعافية التي نرفل بها، وتذكير دائم بحق شكر الله عليها.
وهذا الكتاب جدير بالقراءة، وأنصح به لكل مبتلى ومريض، فهو تجربة ملهمة ومحفزة، مدعومة بالأمل، وممزوجة بالشجن.