حكايات الحرب لا تنتهي ولا يُمَلّ من القراءة عنها والذهاب بالحديث إليها، لأنهُ حتي وإن كان هُناك رواية واحدة تصح عن الجميع في إطار الحدث الذي وقع، فإنّ النظرة والرؤية التي وصل بها هذا الحدث إلي مُستقبِلِه ستختلف حتماً في تلقّيه حسب موضعه من الزمان والمكان.
يبدأ الكاتب رحلتة بالذهاب إلي معسكر تجنيد ضباط الاحتياط، تنطلق الأحداث بعدها في تتابع طبيعي وتسلسل تنظيمي مُحكم أكثر لأننا كُنا تحت طائلة حرب الاستنزاف وقتها، يتحدث الكاتب عن معسكرات التدريب والثغرات التي خدم فيها والمواقف التي تعرض لها إلي أن انتهت هذه المرحلة بذهابه للجبهه حينها بدأت الأمور تختلف تماماً.
يُجذَب المرء دائماً وتلقائياً إلي أصول الأحداث، إلي عناوينها الكُبري وإشارات الآخرين نحوها بالنصر أو الهزيمة، لكن في كل معركة هناك دائماً حكايات ورؤي علي الطريقين كليهما كل هذه الحكايات تسقُط بالتقادم إلي أن يظهر راويها كما فعل الأستاذ محمد عودة.
لم أسمع أبداً عن معركة الجزيرة الخضراء ولا عن تداعياتها وأثرها ولم اعرف ما الذي حدث فيها، ولولا هذا الكتاب كان من الممكن ألّا تقع في طريقي هذه الحكاية أبداً، الجميل أن الذي يروي لنا اليوم ليس سامعاً ولا ناقل، بل هو أحد أضلاع هذه المعركة والناجي الوحيد فيها بعد شهادة الجميع.
تماوجت مشاعري مع سريان الأحداث، فوقتما ننال من العدو أتخيل مشهد العزة والفخر والإضرار الكبير الذي حلّ بجنودهم وطائراتهم وناقلات جندهم، وحينما تدور الكرّة علينا ونُباغت بالهجوم أحزن وكأنني أري ما أقرأ وأُعايشه وهي من مميزات أسلوب الحكاية البسيط وطريقة الكتابة السلسة التي بُسِطَ بها الكتاب.
وحيث أنّ أصحاب التاريخ والحضور في الوقائع الكُبري يعمدون دائماً إلي الحكي باسترسال و وضع التفاصيل - كل التفاصيل - كاملة أمام القارئ الذي قد لا يعنيه الكثير منها لعجزه عن تخيل ما لم يري أو يُعايش، لذا تبدوا أكثر ميزة تنبهت لها أثناء قراءتي للكتاب هي الإيجاز، واقتصار الحديث علي الوقائع أو اليوميات التتابعيه التي مثّلت فترة مهمة جداً في حياة الكاتب وفي حياة مصرنا الحبيبة.