ربما قابلت الأستاذ "عبدالحميد دهمش" أو من شابهه، في أحد المصالح الحكومية، فهو نموذج ممتاز لخدمة البيروقراطية، لا يعبأ بالسياسة فقد لسعته نيرانها مرة، وأقسم على تجنبها وقرر أن يركز حياته على التقدم الوظيفي فقط، متزوج من "حسناء" التي يحبها، وأولاده مهاجرين مطمئنين على حياتهم، ولكن كل ذلك على وشك التغير، حيث يجد الأستاذ "عبدالحميد دهمش" على شفا فضيحة علنية كبرى، تُزلزل حياته، فبعد وفاة زوجته، وبُعد أولاده بسبب الغربة، تصرف براحة، واختلاف عن حياته السابقة، ولكنه لم يكن يعلم أنه سيكون مُضطراً لمواجهة "صاحب العالم".
تناقش رواية "صاحب العالم" فكرة التقدم التكنولوجي الذي سيطر على أدق تفاصيل حياتنا، حتى نسينا شكلها قبله، كيف كنا نعيش دون تصفح الفيسبوك ومشاهدة صور الإنستجرام ومشاهدة مقاطع اليوتيوب؟ كيف سمحنا لهم أن يتجسسوا علينا بل ونوافق على ذلك؟ نتركهم يتصنتوا على مكالماتنا وقراءة محادثاتنا بسهولة ويسر؟ يغرقونا بالإعلانات المبنية على كلامنا، ونعرف ذلك ونسمح بذلك، مقتنعين بأننا لسنا بتلك الأهمية التي تكون على قدر عناء فضيحتنا، ولكن، ماذا لو نحن بتلك الأهمية فعلاً ولم ندرك ذلك إلا بقرب وقوع الفضيحة؟ هل تأخذ حذرك في محادثاتك ومشاهداتك للمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل المختلفة؟ توغلت وسائل التواصل الاجتماعي إلى أدق تفاصيل حياتنا، حتى أنها صارت توجه آرائنا وتوجهاتنا كما تابعنا في الأزمة الحالية، فلماذا لا نستطيع التخلص منها؟ كيف نفتك من الإدمان المغروس بداخلنا تجاهها؟ هذا سؤال لا أعرف إجابته، أو ربما أعرف ولا أراه.
ولكن، لا تتسرع في الحكم وتظن أن الرواية ستتوغل في تلك الجزئية، وتتابع سيرة رجل يحاول الهرب، هو بالفعل يحاول الهرب، ولكن بطريقة مختلفة، فقد استدعى "عبدالحميد دهمش" حياته السابقة وماضيه، وكل تلك الأحداث التي آلت إلى هذا الحدث الذي زلزل حياته، كل المعارف والعلاقات، الفجوة الهائلة التي اكتشفها بين أقرب الناس إليه، والعديد من الذكريات، والحكايات الجذابة، بعد حدث معين في الرواية، ستشعر أن الرواية تتجه إلى جو من الديستوبيا وعالم المؤامرات وكلنا مراقبون، ولكنها، لن تتجه إلى ذلك.
ما تتجه إليه الرواية، هو العديد من المشاعر الإنسانية، عن علاقة الإنسان بالحياة التي أصبحت مؤخراً تتلخص في عدد إعجابات وتعليقات ومشاركات، الحياة أكبر بكثير من ذلك، وللآسف، نحن لا ندرك ذلك، إلا بعد فوات الأوان، ويسعنا من خلال المقارنة بين حياة "عبدالحميد دهمش" السابقة واللاحقة، أنه حتى في أحلك الأوقات، عاش حياته بشكل كامل.
ومن سلبيات الرواية، هي فكرة رمزية "صاحب العالم"، وسأحاول أن أتكلم عنها دون حرق، فقد كانت كرتونية أكثر من اللازم، لا تهديد حقيقي على بطلنا، اللهم إلا مكالمة تليفونية واحدة طوال أحداث الرواية! ظهور باهت، وأعلم أنه ليخدم غرض، ولكنه سيجعلك طوال الأحداث تترقب ما قد ينتج عنه، بالإضافة إلى بعض الحكايات الهامشية الجذابة بمفردها، ولكن عندما تنظر لها إجمالاً في الرواية تجدها دون فائدة عليها، هي مجرد حكايات جذابة ومثيرة للاهتمام لم تضف شيئاً للرواية، وربما كنت سأستطيع تجاهل تلك السلبيات، لو النهاية محبوكة بشكل جيد أو فيها من المنطق شيء بسيط، ولكن النهاية كانت سيئة، الحل الذي واجه به "عبدالحميد دهمش" صاحب العالم كان حلاً ضعيفاً، يمكن دحضه بأبسط الطرق والوسائل، وذلك ما قلل تقديري للرواية، وأنا على يقين أن كاتب الرواية لو أعاد كتابتها مرة أخرى، مع تشذيب وبعض المنطقة للأحداث، لأصبحت رواية أكثر من جيدة.
ختاماً..
رواية تحمل مغزى مهم، رسالة تخاطبنا جميعاً عن تطور وسائل الاجتماعي وتأثيرها، عن الحياة بعد التقاعد والوحدة، وطرق مواجهة الوحدة التي قد تجعلنا نسلك أكثرها ضلالاً وسواداً دون أن ندري، لأننا كبشر سنضع المبررات بكل تأكيد، لا أستطيع أن أرشح الرواية تماماً، ولكنها تجربة مختلفة بكل تأكيد.