رقم مئة وأربع /2024
أحلام شهرزاد - الجزء الخامس من الاعمال الروائية الكاملة
طه حسين
" فلمَّا كانت الليلة التاسعة بعد الألف أفاق شهريار من نومه مذعورًا، وجعل يتسمَّع لعله يجدُ ذلك الصوت الذي أيقظه، فلم يسمع شيئًا، وجعل يمدُّ يده عن يمينٍ ويمدُّ يده عن شمالٍ ليتبيَّن أَيُنكر من مضجعه شيئًا، فلم يُنكر شيئًا، ثم استوى جالسًا في سريره، وجعل يُدير رأسه عن يمين وعن شمال ويمد بصره في الظلمة المتكاثفة من حوله كما يمد سمعه في الصمت المنعقد في غرفته، فلا يقع بصره على شيء، ولا ينتهي سمعه إلى شيء، ولا تصل نفسه إلى شيء"
تعد رواية شهرزاد واحدة من روائع الأديب المصري طه حسين، حيث أنّها لاقت رواجاً وترحاباً وقبولاً من قبل جميع المثقفين والمتخصصين في مجال الأدب والنقد بالرغم من مرور عشرات السنين على كتابتها وطرحها للتداول والنشر، ففي هذه الرواية تناول هذا الأديب في قصته تلك الشخصية التراثية الأسطورية والتي تدعى شهرزاد، ولكن بأسلوب ونهج وطرح مختلف عمن سبقه في ذلك، فيأخذنا وينقلنا من عالم الواقع واليقظة والحقيقة إلى عالم الوهم والخيال والأحلام
أحلام شهرزاد كتاب صغير تبدأ الحكايات فيه من الليلة التاسعة بعد الألف عقب نهاية حكايات الألف ليلة وليلة المعروفة وتنتهي عند الليلة الثالثة عشر. لكن إذا كانت حكايات «ألف ليلة وليلة» تحكيها شهرزاد وهي مستيقظة، فإن حكايات «أحلام شهرزاد» تحكيها شهرزاد وهي نائمة، أي أنها تحلم وهي تحكيها. في الحالة الأولى تكون مختارة لما تحكي وواعية لها، أما في الحالة الثانية فتحكيها من خلال لا وعيها ولا تتذكر ذلك ولا تعلمه حينما تستيقظ. وإذا كان مناط معظم حكايات الألف ليلة وليلة حياة البشر وما يجري لهم، فإن حكايات «أحلام شهرزاد» تدور حول الجن، وبالذات حول أحد ملوك الجن، طهمان بن زهمان وابنته فاتنة
دلالات الأسماء: للأسماء دلالاتها في الرواية وعند البحث بموقع ويكا عن معنى الأسماء وجدنا
فاسم طهمان يحتوي الاسم الأول من اسم طه حسين نفسه «طه»، وهذا الاسم يستدعي لدى المسلمين أحد أسماء الرسول. كما أن «طهمان» يحتوي الفعل طهم والصفة المشتقة منه "مُطَهَّم تعني، حسب «لسان العرب»: «الْمُطَهَّمُ مِنَ النَّاسِ وَالْخَيْلِ. الْحَسَنُ التَّامُّ كل شَيْءٍ مِنْهُ عَلَى حِدَتِهِ فَهُوَ بَارِعُ الْجَمَالِ». وبذا فاسم «طهمان» يحتوي معنى البشير «طه» كما أنه يحتوي صفة الحسن والاكتمال. واسم زهمان يحتوي الفعل «زَهَمَ» الذي يعني، حسب القواميس العربية «زَهَمَ العظمُ ـُ زَهْماً: جرى فيه المخّ» و «زَهِمَتْ الدّابة: سَمِنت وكَثُر شحمها فصارت لها زهومة أي أنه يعني صلابة العود والحسن والامتلاء، أي الصحة.
اسم «فاتنة» يعني الفتنة وفي التاريخ العربي الإسلامي تعني الثورة، وهي شيء مكروه لدى طائفة السنة بسبب احداث الفتنة الكبرى بين الصحابة، والمعنى الذي نعطيه الآن للفظة الثورة حديث جدا ولا يوجد في القواميس القديمة. وبالتالي فاتنة تعني ثائرة
في رواية «أحلام شهرزاد» تتداخل روايتان. فلدينا من جهة رواية علاقة شهريار وشهرزاد، ولدينا من الجهة الأخرى رواية علاقة طهمان بن زهمان وابنته. فتنة وشخصيتا شهرزاد وفاتنة شخصيات غامضة، الأولى غامضة بالنسبة إلى شهريار الذي يراها «غامضة دائما مدلة دائما، لا تدنيه إلا لتقصيه، ولا تلطف به إلا لتعنف عليه» وكثيرا ما كان يسألها: «ألا تنبئينني آخر الأمر: من أنت وماذا تريدين؟» (. ويسأل طهمان ابنته عندما صدر منها ما عده هو وغيره من ملوك الجن وقادتهم سحرا: «ألم يأن لك يا ابنتي أن تكاشفي أباك بشيء من هذه الأسرار التي عُميتْ عليه وعلى أهل المملكة جميعا؟! وما أرى إلا أنها معماه على أعدائنا».
وهنا تحديداً في هذه الرواية ينقل لنا الأديب طه حسين ما في مخيلته مستخدماً هذه القصة وهذه الرواية الأسطورية كوعاء ليطلعنا عما فيه، فهو يدرك جيدا أن هذه الرواية فيها كثيرا من الأمور الإيجابية والتي منها أن الملك شهريار بعد تلك الأحداث الكثيرة التي شاهدها لم يعد ذلك الملك الظالم الأرعن والذي لا يهمه شيء سوى نفسه، لينقل لنا رسالة مفادها ليس للظلم أن يعيش للأبد، ولكن سوف يأتي يوم ينقلب الظلم على الظالم، أو أن يعود الظالم عن ظلمه فيسلك طريق الصواب، ويذكر أنّ هذه الرواية تضم جزء واحد فقط وتسعة وستون صفحة، وكانت قد صدرت الطبعة الأولى منه في عام 1949 ، فهو يطالب بحرية الديمقراطية والرأي والحقوق السياسية والنظرة المتفائلة إلى المستقبل. ولعل تقديرنا لهذه يزداد إذا علمنا أن الكتاب صدر في يناير 1943، أي قبل صدور الإعلان العالمي لحقوق الانسان بخمس سنوات
تناولت هذه الرواية قصة الملك شهريار الذي كان يتنقل كثيراً ما بين الواقع والحقيقة والخيال والأحلام والذي كان له أبنته أسمها شهرزاد فتدور كثيرا من الأحداث المتضمنة للكثير من المتناقضات، فنجد فيها الظلم والطغيان والأمور المضحكة وأيضا المبكية وهكذا، ولكن في النهاية يعود الملك إلى رشده ويستذكر كل الأحداث التي شاهدها ومرت عليه في منامه ليعود شخصاً آخر همه شعبه وإدارة أموره، مستغربا كيف أثرت عليه أبنته شهرزاد وكيف غيرت مجرى حياته وأسلوب تعامله مع الآخرين.
يسرد لنا طه حسين قصة هذه الفتاة التي تدعى شهرزاد والتي تأخذ شخصية أبنة الملك شهريار، فتدور تلك الأحداث بينهما ويسردها لنا هذا المفكر بأسلوب سلس بسيط فيه ابداع طه حسين الكاتب والمفكر ، ولتصل الاحداث في مجرياتها إلى مراحل يصعب التراجع عنها، ومن ضمن أحداث هذه القصة تنقل لنا هذه الرواية الكثير من الأحداث والوقائع التي من الممكن أن يسقطها أي منا على كثير من الأحداث التي تجري حولنا وبشكل يومي، ففيها كثير من الأمور والأحداث التي تسبب في كثير من المشكلات التي من سببها الرئيسي أشكال وأنواع الظلم الذي يقع على كثير من الناس والذي لا يشعر به إلا من عانى من هذا الأمر.