في رواية ماجد أوشي (فرديناند المصري) ومن فرنسا مدينة الحب أيضًا تأتي حكاية "فرديناند" الخبّاز الفرنسي الذي تنشأ حياته بين عالمي الخبز والغناء، حيث يشارك والده العمل في مخبزه ويسعى أن يتعلم منه تلك الصنعة الفريدةالتي تأسر قلوب الكثيرين، ويضيف عليها ما يحب من مخبوزات جديدة، في هذا المخبز يتعرف لأول مرة على "أم كلثوم" من خلال راديو ترانزيستور يحمله زميله في العمل "يونس"المغربي الذي يحرص على الاستماع لأغاني أم كلثوم يوميًا من الإذاعة، وشيئًا فشيئًا يتورط فرديناند في محبة أغاني أم كلثوم وعالمها، ويسعى لمعرفة معاني الأغاني، ويذهب إلى مصر ليتعرف هناك على لوتس وأبوها الذين يحكون له حكايات أغاني أم كلثوم ويورطونه أكثر في عالمها، يقرر الفرنسي أن يرحل للقاهرة بخبزه ووصفاته الشهية، ويقدم برنامجًا للطبخ ويعجب به المصريون، ويصل إلى الشهرة التي كان يحلم بها، لكن الحياة لا تصفو له حتى النهاية!
(الخبازون في بلادي يستيقظون وقت السحر، يمسكون بالدقيق والزبد والماء والملح والسكر فيتحول في أيديهم إلى غذاء يتناوله أهل المدينة حين يستيقظون مع برودة الصباح في الشتاء، تكون المخابز في باريس نقاط تبعث دفئًا ورائحة زكية وطاقة إيجابية أبي كان يستيقظ قبلهم، لم يكن يحب الاستعانة بأي عمال أو مساعدين لقلة ثقته بالآخرين ولرغبته في السيطرة على كل خطوات العمل فضلًا عن أنه يرى أن الخبيز عمل يتطلب أن يقوم به فرد واحد من البداية للنهاية، ليكون كاملًا كما يجب، وأن الخباز يعطي من روحه للخبز الذي ينتجه.)
من 1980 إلى 2013 نتعرف على سيرة حياة "فريد المصري" وكيف انتهى به الحال في مصر، ونتعرف بالتوازي مع ذلك على حكاية متخيلة لأم كلثوم تسير وفق فكرة الافتراض "ماذا لو؟" ماذا لو لم تنجح أم كلثوم في خطواتها الأولى بالقاهرة؟ هل كانت ستتزوج رجلاً بسيطًا من قريتها، وتترك الغناء وتقضي حياتها كزوجة مصرية بين المطبخ وتربية الأبناء؟!
استطاع ماجد أوشي في روايته الأولى أن ينسج خيوط روايته بإحكام، وأن يجذب انتباه القارئ من السطور الأولى للرواية حتى نهايتها، وذلك عبر خيوطها الثلاثة الرئيسية التي ينتقل فيها بين الزمان والأماكن، بين حكاية "أم كلثوم" في البداية، والتي سيتعرف القارئ على أصلها في الجزء الأخير من الرواية، وبين ما يحدث لفريد المصري بعد أن أصبح طباخًا شهيرًا بعد استضافته في أشهر برامج التلفزيون، وبين الخط الثالث الذي نتعرف من خلاله على حكاية فريد في الماضي وبداية تعلقه بأم كلثوم ومصر وقصة حبه للوتس.
(( كنت أدين لأم كلثوم بالفضل في ما صرت إليه، فلولا انفعالي بالمقطع الذي صرخت فيه تطلب الحرية لما كنت واجهت أبي ولا تحقق لي ما أنا فيه الآن ثانيًا زاد تقديري لها حين رأيتها تشارك المصريين سهراتهم حتى بعد أن رحلت عنهم بثماني سنوات، تعلمت أنهم يلقبونها بـ“الست” منذ كانت بينهم كنوع من الاحترام الذي قد يصل أحيانًا لحد التقديس كنت لا أفهم كلام أغانيها بعدُ، ولكني حين كنت أشارك أحدهم الاستماع لها كان يحاول أن يشرح لي المعاني ثالثًا كنت أراها رمزًا للنجاح حين عرفت تفاصيل قصة صعودها من فتاة ريفية إلى أن صارت السيدة الأولى لمصر، وقد فعلت هذا وحدها، هي من خططت ورسمت الطريق وسارت عليه وتخطت عقباته ..))
لم يكتف ماجد أوشي بحكاية الخباز مع أم كلثوم وقصة الحب الاستثنائي التي ستجمعه بالمصرية السمراء لوتس، ولكنه وضع في الرواية خيطًا إضافيًا مهمًا ينتقد فيه الأوضاع الأمنية والبوليسية في مصر في أعقاب الثورة لاسيما بعد فض رابعة 2013 وما كان يجري من تعامل غاشم وعشوائي مع الآخرين بسبب بلاغات كيدية ساذجة، ولاشك أن القارئ حينما يقرأ ويتعرف على ما جرى مع فريد المصري تلك الشخصية الروائية المتخيلة سيتذكر الكثير مما حدث ويحدث من تجاوزات وفظائع داخل وخارج مصر بسبب تلك القبضة الأمنية الغاشمة التي تطرد الكفاءات وتطارد الإعلاميين سواء من المصريين أو غيرهم!
......
على موقع الرواية
****