انا من المؤيدين لفكرة أن لكل شخص منّا نصيب من اسمه ، ويبدوا أن الموضوع لا يتوقف علي أسماء الشخوص والأماكن والشوارع الكبيرة ، ولكنه أيضاً مُرتبط بالكتب.
مرّت أول ليلة في رمضان ، وبدأت ساعتي البيولوجية في الانضباط ومعها سادت حالة من الإستقرار في عقلي الذي لا يعرف العيش بلا اضطرابات وتفكير زائد عن الحد ، حتي جسدي المحروم من النوم الطبيعي منذ فترة هدأ واطمأن ، ولم يعكر صفو هذه الحالة إلا اتصال المندوب الصباحي لشركة الشحن يخبرني بأنه قادم لتسليمي طرد من دار المحرر.
نهار رمضان قصير وليلة كذلك ، الوقت يطير في هذا الشهر بسرعة رهيبة ، أريد استكمال نومي وتأجيل قراءة الرواية لوقت آخر من اليوم ، لكن سيأتينا اليوم ضيوف علي الإفطار وهذا غير طلبات المنزل التي تُجبرك علي النزول في أي وقت وبلا أي مقدمات ، والحال بالليل كما هو بالنهار ، ساعة كاملة من التفكير في الوقت الذي سأقرأ فيه هذا العمل ، ولكن يبدوا أنه لا مفر من الانضغاط مع هذه الرواية تحت ظروفها وظروفنا ، تخليت عن فكرة النوم وقررت أن أبدأ القراءة.
بداية ساحرة بوصف تفصيلي لحالة فيفي وهيئتها والعالم الخاص جداً الذي تحياه برفقة زوجها حسام ، ورغم أن التفاصيل في وضع فيفي المعيشي ويومياتها في المنزل ليست كثيرة ولكن ليس هذا ما أراد أن يتحدث عنه الكاتب ، ولكنها الصفة التشريحية للأنثي الرومانسية التي تتلذذ بكل تفصيلة تخص حياتها و زوجها ومنزلها.
في استرسال سردي شيّق غاص الخمايسي بداخل المرأة واصفاً ومُفسراً لحالات شعورية مُختلفة تستعصي علي الوصف والتفسير ، انتصر للمرأة التي لا يقتنع أنها تليق بغير أن تكون ربّة منزل ، عظّم من هذا الدور وأوجد منطقة في ذلك وخلق أسبابة ومُبرراته التي يؤخذ منها ويرد عليها.
رنّ هاتفي في نفس وقت الحدث الأبرز ونقطة التحول في الرواية ، طُلب مني النزول ، وأيّ ضغط نِلته اليوم منذ أن بدأت قراءة هذا العمل ، عُدت سريعاً ، أغلقت هاتفي وباب غرفتي مُصمماً علي استكمال قراءة ما يحدث تحت ضغط الظروف.
ولكنّ المرأة التي تقرأ لا تنخدع ولا تبدوا بسذاجة المرأة التي لا تقرأ ، فيفي كانت قارئة كيف إذاً تنخدع بهذه الطريقة وتظهر في محاوراتها ساذجة لدرجة أنها ترد علي حكمة قالها إيمان بـ صدق الله العظيم ظناً منها أنها آية في القرآن!.
نسف الخمايسي بتلك النظرية وفرّق بين القراءة الحقيقة التي تستطلع أبعاداً صادقة للإنسانية وتكشف أغواراً أعمق للحياة وتُفيد قارئها بشكل يجعله يغوص في تفاصيل التجربة من خلال صفحات يقرأها ، وبين القراءة لزوم التسلية وتضييع الوقت أو الترفيه وشتّان بينهما.
هذه الرواية رغم صغر حجمها فإنها تُعبر عن التحول السريع للحياة وأن كل الموازين قابلة للانقلاب والتغيير والتبديل في حال إنقلب الوضع أو تغير ، وأن الحياة في النور علي الأرض لها قواعد تختلف تماماً عن الحياة تحت الأنقاض في الظلام ، لكل عالم اسرارة وقوانينة التي تختلف وتتغيّر وتتبدل تحت ضغط الظروف ، وأن المرأة بالأصل رومانسيه وهي إن اطمأنت لرجل أحبته ، وحينها ستخالف كل ما يتصف بالعقل أملاً في استبقاء هذا الأحساس بالأمان لأطول وقت ، المرأة عنيدة ، عصيّة علي التحول إن أحبت بصدق لكنها سريعة العدول عن هذا الحب إن اكتشفت الخداع أو الخيانة يأتيان ممن أحبت.
ساعتان ونصف قضيتهما في ضغط الرواية وأكثر من ذلك منذ أن استلمتها ووصلت إليّ ، أولي قراءاتي للأستاذ أشرف ، رواية جميلة ، ممتعة ، شيّقة وحقيقية.