الخطاب العربي في متاهات التراث
تأليف
جمال عمر
(تأليف)
الخطاب لا يأتي من عدم ولا يتحرك في عدم، الخطاب ظاهرة تتعالق في علاقات مع خطابات سابقة أو معاصرة لها أو خطابات تالية عليها، في علاقات حذف وإضافة، وتجاوز، وتناص وتكرار واجترار...الخ. والخطابات ليست بمضمون الأفكار أو بمضمون المعاني السارية فيها فقط، بل الخطابات أفكارها ومعانيها تدل طبقا للمنظومة التي هي جزء منها وطبقا لسياقاتها فمهم الإحاطة بالمنظومات التي تعطي للخطابات معانيها وللسياقات التي تمارس فعاليتها فيها.
وقد حاولت أن أطرق هذه المسافة الفاصلة، الواصلة، بين الإنسان المُدرِك وبين ما يدركه من ظواهر، من خلال نهج علائقي، وحاولت ممارسة هذه العلائقية في تناول خطاب نصر أبوزيد في كتابي "أنا نصر أبوزيد"، وحاولتها في تعامل المسلمين والغربيين مع المصحف في كتابي "مقدمة عن توتر القرآن". لكن التطبيق الأوسع كان في كتاب "مدرسة القاهرة في نقد التراث والأشعرية - دراسة علائقية".
وفي هذه الصفحات أحاول أن أنظر نظرة علائقية لخطابات المراجعات الفكرية التي تمت فيما بعد الهزيمة الكبرى عام سبعة وستين، والمراجعات التي تمت لهذه المراجعات من جيلين آخرين، ثم مراجعتي للمراجعات. ففي "مراجعات في ضوء الهزيمة" تناول علائقي لخطابي "التراث والتجديد" لحسن حنفي، وخطاب "نقد العقل العربي" لمحمد عابد الجابري، في علاقة هذه الخطابات بغيرها من الخطابات السابقة عليها والمعاصرة لها، وعلاقة كل خطاب منهما بالأخر، بل وعلاقة خطاب حنفي ذاته في سياق حياته ومجتمعه، وعلاقة خطاب الجابري بسياق حياته ومجتمعه.
ثم مراجعة جيل تالي مثل خطاب جورج طرابيشي لمراجعات خطاب "التراث والتجديد" وخطاب "نقد العقل العربي" من خلال مراجعاته "نقد النقد". ثم مراجعة جيل ثالث من خلال نقد علي مبروك لكل من جهود حسن حنفي ومحمد عابد الجابري وجورج طرابيشي. لأبني على كل هذه الجهود محاولة استيعابها نقديا من خلال علاقاتها، لنصعد على أكتافها وعلى ما بنت لنرى أبعد مما رأت. فهذا النص هو محاولة أخرى لاكتشاف وكشف أبعاد علائقية تربط فتافيت واقعنا لكي نستطيع أن نستوعبها وأن نتعامل معها. وهي محاولة أتمنى أن يتم تدارك ضعفها بجهود أخرى تقدم قراءات نقدية لهذه الجهود تقوم من عطبها، فهل من مُجيب.