ابن الباشا زريف الطول
تأليف
فادي شديد
(تأليف)
في رواية "ابن الباشا زريف الطول" الصادرة عن "الدار العربية للعلوم-ناشرون"، يستحضر الكاتب فادي شديد كل أشكال الرأسمال الرمزي المتعلّق بالهوية ال#فلسطينية ماضياً وحاضراً؛ فالشجرة المباركة وتساقط أوراقها، والاستلهام للأسطورة الفلسطينية وبطلها الغريب زريف الطول وقصة عشقه لـ"عناة" فتاة القرية التي شغفها حبّاً دون غيرها من الفتيات، ثم محاربته خفافيش الظلام من المحتلين واختفاءه ثم ظهور طيفه في أكثر من معركة قبل عودته إلى رحاب القدس، يؤكد لا محالة بأن أكثر من زريف طول فلسطيني عاش تحت ظلّ الشجرة المباركة أو وُلد بعيداً عنها وترعرع في ظلام المنافي، ثم ظهروا واحداً تلو الآخر في كل المحطات قبل أن يخطفوا بموتهم الأضواء والدموع.
ورواية "ابن الباشا زريف الطول" تؤرّخ للقضية الفلسطينية في فصولها المتعاقبة وفعل المقاومة؛ وعبر أجوائها تتناسل الحكايات، تتقاطع وتتداخل، تتشابه وتفترق، لتشكّل بشخوصها وأمكنتها ووقائعها، حكاية فلسطين في الأمس واليوم وكأنما هذه الرواية سُردت لتسجّل مفارقات الذات الجمعية الفلسطينية بحلمها المجهض وتعقيد مسارها التاريخي وتشابكه مع مصالح دول وحكّام. لذلك جاءت رواية "ابن الباشا زريف الطول" كثاني إنجاز أدبي للكاتب بعد روايته الأولى "جنة الموت اللذيذ" لتبرز كما يقول الكاتب: "ذلك الظلم الذي بدأ وما زالت رقعته تتّسع بتسارع مسعور مع الزمن منذ أكثر من قرن طافح بالشقاء".
من أجواء الرواية نقرأ:
"قَفَلَ عائداً إلى القدس بعد طول الغياب وليس كل الغياب غياب، رجع إلى المدينة التي قُدّ قميص طهرها بيد من الإثم وأخرى من البهتان بعد أن ابيضت عيناها حزناً على دماء سفكت بسيف الكذب، وسالت فوق قميص من سكينة السماء صار قانيّاً لتُصدّق رواية المكر والضلال، أي قميص ذاك الذي ألقاه بحضوره على وجهها الكظيم حينما ارتقى فوق جبل المكبر ليرى بعينيه الدامعتين سناء شعابها النائمة بين أحضانها كالبنين، حتى ارتدّ إليها بصرها على حين غرَّة ما إن تسلّل إلى أنفها مسك رائحته،رائحة الأريج، رائحته التي لا تخفى عنها مهما توارى خلف كل الأسماء والألقاب أو تعاقبت على غيابه عنها السنين والأيام؟
لم تتخبّط لتنظر بشدة إلى كل شيء من حولها في آن واحد كعادةِ من عاد النور إلى عينيه بعد طول صبر جميل كان الله عليه نِعْمَ المستعان، بل أمعَنَتْ فيه النظر دون سواه قبل أن تقول له جذلاً ما قيل على لسانها بعد حين استطال به الزمن من شدة الحزن على طوله المألوف: "في القدس من في القدس لكن لا أرى في القدس إلا أنت".