بسردٍ جميلٍ وطريقةٍ ذكيّةٍ، يرصد الحكيم على لسان نادية لطفي لحظات مولدها الأولى، ويُزيح الغبار عن اسمها "بولا" الذي سُمّيَت به تيمُّناً باسم الممرضة الراهبة التي أنقذت حياتها أثناء ولادتها، وكيف واجَهَ والدُها محمد شفيق الناسَ بذلك الاسم الذي يُوحي بالمسيحية كي يُثْبِتَ بعقْلِهِ المتحرر وفكرِهِ الليبرالي أنه لا فرق بين المسلم والمسيحي في الوطن الواحد.
أثر الكبار في حياتها
تعلّمت نادية لطفي في مدرسة السينما على يد كبار المخرجين ورافقت كبار الممثلين، مثلما تعلَّمَت في المدرسة الألمانية التي تخرجت فيها، وربما كان الفارق الأساسي أنها كانت تلميذةً مطيعةً في مدرسة السينما، تفهم شخصيات الكبار والأساتذة وتتعلّم منهم وتُنَفِّذ ما يرونه في صالحها.
من هذا ما تحْكِيهِ عن المخرج الكبير الراحل يوسف شاهين، الذي أخرج لها ثاني أفلامها "حب إلى الأبد"، وربطتها به صداقةٌ قويةٌ امتدَّت طوال سنوات، حيث جعلها تتراجع عن قرار دراسة السينما أكاديميّاً في الولايات المتحدة الأميركية، وقال لها إن أهم ما يُمَيّز تمثيلها العفوية والتلقائية.
تُصَرِّح أيضاً أن علاقتها بالعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ لم تتشكَّل إلا حينما مثَّلَتْ معه، وعرفته عن قرب، وأنه لم يكن مطربها المفضل، بل كانت تحب "شكوكو" وتغنّي أغنياته التي يعتبرها البعض "أغاني هابطة".
وتحكي عن بداية عملها مع عبد الحليم في فيلم "الخطايا" العام 1962، وكان نقلةً قويةً في مشوارها الفني وحقَّقَت لها شهرةً ونجاحاً لم تكن تتوقعهما. ثم تجربتها الثانية الأكثر ثراءً في فيلم "أبي فوق الشجرة" العام 1969 من إخراج حسين كمال، رغم أنها لم تكن المُرشَّحَة الأولى للدور، بل كانت النجمة هند رستم ولكنها اعتذرت عن الدور، فرشَّح المخرج حسين كمال نادية لطفي، وكانت متخوِّفَةً من شخصية الراقصة "فردوس"، كي لا يكرهها الجمهور لأنها تخدع نجمهم المفضل "عبد الحليم"، فتدَخَّلَ المخرج لتغيير شخصية الراقصة حتى يقبلها الجمهور، فقبِلَتْ الدور في النهاية وحقَّقَ الفيلم النجاح الأسطوري المعروف.
نادية وسعاد .. منافسة وصحبة
تروي نادية لطفي، من بين ما ترويه في كتاب "اسمي بولا"، ما يتعلق ببدايات النجمة الراحلة سعاد حسني التي تزامَنَتْ معها، وأنهما تنتميان إلى نفس الجيل الذي واكَبَ ظهورُهُ "ثورة يوليو"، وتأثيراتها الاجتماعية والسياسية، وكان عنواناً لجيلٍ من البنات أكثر جرأةً ووعياً وتمرداً وثقافةً.. كان نجاحهما سريعاً وواعداً، بدايةً بفيلم "السبع بنات" (1961)، والتجربة الأهم لهما "للرجال فقط" (1964)، ولاقى نجاحاً جماهيرياً ونقدياً كبيراً.
ورغم أنهما لم تلتقيا بعد ذلك كثيراً إلا أنها ظلَّتْ تُكِنُّ لها تقديراً خاصّاً، وتذكر أنها تُقَدِّر لسعاد حسني شغفها بالسينما، وأن كلّاً منهما تعزف في منطقةٍ خاصةٍ بها، لتختلف مع من يرون أن السينما خذلت سعاد حسني، إذ ترى أنها بقيَتْ حتى آخر أيامها نجمةً سينمائيةً كبيرةً. وأن المشكلة في السينما كان في تَحَوّل معاييرها، التي باتت مختلّةً ومختلفةً، ولا تتفق مع ما تربَّت عليه هي وسعاد، فكان أن انسحبت هي حفاظاً على تاريخها ورصيدها، فيما حاولت سعاد أن تُقاوِم، لكن الموجة كانت قويةً وطاردةً لكل قيمة، على حدّ تعبيرها.
...........
من مقالي عن الكتاب
****