يُصنف كتاب "أمينة المكتبة" كرواية من الخيال التاريخي، وهو إيجازاً، مزيج من الأحداث الحقيقية مع ملء الفراغات والأحداث بشكل تخيلي لما يُمكن أن تكون شكل الأحداث عليه، من خلال بحث وتدقيق لا يخلو من توقع وتنبؤ، عن شخصية "بيل دا كوستا غرين"؛ التي كانت أمينة مكتبة مورغان لصاحبها واسع الثراء "جي. بي. مورغان".
تأتي أهمية هذه الحكاية في طبيعة ونشأة "بيل" وزمن هذه الحكاية، تبدأ الأحداث في عام 1905، في وقت كان فيه التمييز العرقي، والجنسي، كثيفاً، ويتم التصرف بناءاً عليه بأشكال وحشية مثل القتل والسجن في أحسن الأحوال!، أما طبيعة ونشأة "بيل" فهي على الرغم من بشرتها التي تميل إلى البيض، فهي من عائلة سوداء، أصولها وجذورها تميل إلى ذلك، ووالدها "ريتشارد تي. غرينر" يؤكد ذلك، فهو مناضل لحقوق السود، وكان أول طالب ذو بشرة ملونة يتخرج من جامعة جنوب كارولينا، ولكن، في ظل وطأة العنصرية المُستفحلة في الولايات المتحدة قررت الأم أن تُكمل حياتها كبيضاء، هي وأولادها، لتجنب أي عنف أو قتل تجاههم.
فتعيش "بيل" حياة مزدوجة بشكلاً ما، بين العمل في مجال الكتب والمخطوطات والكنوز كبيضاء، وبين أفكارها ونظرتها إلى ما تُصادفهم من ملوني البشرة، يعيشون حياة ذليلة، ولا تستطيع أن تُناضل من أجلهم، وفي نفس الوقت تشعر بتهديد كامل على حياتها لو انكشف سرها، ولكنها تُناضل بشكل غير مسبوق، تفوز في مزادات، وتُحقق إنجازات لرب عملها وتُزيد من قيمة مكتبته، وما تحتويه، فهل كان سيُمكنها تحقيق ذلك لولا بياض بشرتها؟ لو عاشت سوداء مثل جذورها، كيف لتكون شكل الحياة؟ ظالمة بكل تأكيد.
من خلال هذا التباين، تطرح الكاتبتان "ماري بينيدكت"؛ بيضاء البشرة، و"فيكتوريا كريتسوفر موراي"؛ سمراء البشرة، ما يُمكن أن نسميه تاريخ مختصر للعنصرية بالولايات المُتحدة، وكيف أن اللون الأبيض يتحكم في كل شيء، وخصوصاً لو امتلك كم الأموال المناسبة للقيام بذلك، وأن التمييز العرقي والجنسي العنصري كان مُساعداً ليؤكد التفوق الأبيض، فذلك خدم مساعيهم وأهدافهم.
العنصرية فعلة قبيحة، وحالياً عندما تحدث في العالم نستهجنها وننفر منها، ولكن في ذلك الوقت، لم تكن تُقابل بنفس الاستهجان، فعلى سبيل المثال؛ نظراً لطبيعة عمل "بيل" كانت تحضر حفلات بكثافة وكانت تُلقنها أمها بأنه لو صادفت أحد من ذو البشرة الملونة ألا تنظر إليه في عينه وتُعامله كأن غير موجود، هذا ومن المفترض أنهم يعرفون ما يمر به ذويهم، من قمع وقتل وسحل وذل، أحياناً تقوم "بيل" بالنظر إلى من تصادفهم، فيرتبك خوفاً، من أنه أصبح مرئياً! هذه اللمحة البسيطة تريك كم المعاناة التي كان يمر بها ملوني البشرة.
يأتي هذا العمل ليُحيي شخصية "بيل دا كوستا غرين" من جديد، الامرأة التي عاشت بيضاء رغم أصولها السوداء، ويؤكد أن الظلم الواقع على ذو البشرة الملونة كان مُجحفاً ومؤلماً، وأنه بالظروف المُناسبة والطبيعية لأصبحوا في أعلى الأماكن وبلغوا المناصب الكبيرة باستحقاق، دون النظر إلى لون بشرتهم، أو أي مُحدد آخر غير الكفاءة.
وكما حدث في هذا الكتاب، كاتبتان من عرقان مُختلفان –لوناً فقط- قاما بعمل استثنائي من البحث والتقصي والكتابة، ليخرج لنا عملاً يستهجن العنصرية، وينبذها، فالشكل الذي ولدنا به لسنا مسئولين عنه، ولكن الشكل الذي نعيش به في الحياة هو بكل تأكيد مسئوليتنا، فلماذا لا نتوقف عن القيام بأننا وحدنا من نُحدد ونقيم الأفضل طبقاً لجنسنا أو أي مُحدد آخر غير الكفاءة والاجتهاد والعمل؟