احتضار الفرس، لخليل صويلح، تبدأ بحكاية مروعة عن أب يستلم جثة ابنه ناقصة، لا رأس لها، وقدم مفقودة، تنتاب الأب العديد من الخيالات والأوهام يتخللها ابنه يُعاتبه أنه لم يجد جثته كاملة، ابنه يتلوى في قبره، يُريد أن يُصبح كاملاً بعد موته، فتُصبح حياة الأب جحيماً خالصاً، إلى درجة الهذيان أنه رُبما سيتم تعويضه بشكلاً ما، لنكتشف أن هذه ليست القصة الأساسية لروايتنا، هي مجرد تمهيد مُفجع، دموي بعض الشيء، لحكاية أكثر ألماً ووجعاً، حكاية الصحفي الذي يحتضر، في بداية الحكاية كنت أعتقد أن المقصود باحتضار الفرس هو احتضار سوريا نفسها، ولكن عند النهاية أيقنت أن الفرس هو الصحفي، فالبلد أصبحت مُحتضرة بالفعل، ألا ترى معي ذلك؟ كُل ذلك الخراب والموت، الشتات، الحروب، القنابل والرصاص، الجثث، العديد منها، الملايين منها، جثث ناقصة، وكأنه مكتوب علينا أن نعيش ناقصين، ونموت ناقصين، ووسط كُل ذلك، من تشدد واستكلاب سياسي تعسفي، وتشدد وتكفير ديني مُهرطق، سيكون هناك المُنتفعين في كُل ذلك، ستجد احتضار الأدب والأدباء، من تحويل بيت شاعر إلى ماخور للدعارة، ومن تقليل أهمية الأدب عموماً، ومن صحافيين لا يفقهوا شيئاً عن مهنتهم ولا يحترموها، وإلى آخره من أشياء ستجدها في أي بلد عربي لا يحترم نفسه.
يعود الصحافي إلى بلدته بعد وفاة أمه، آملاً في وداع آخير، في وسط وباء الكوفيد-19، وتداعياته، يجد نفسه معزولاً، وسط كُتبه، ومكتبته، يستحضر العديد من الأدباء والروايات لتكون معه في الأحداث، ألا ترون أنه يحتضر؟ أنه يرى شريط حياته أمامه، يستدعي أكثر الكتاب قُرباً له، كافكا وماركيز، ورواية بيدرو بارامو وكلامه عنها الذي سيجعلك تتلهف لقراءتها، يستدعي شخصيات مر بها وعاصرها، حبيبته، دلال، حُب مفقود لا يعود، لا يعرف أين يوجد، ورغم أنها باعته بطريقة ما، لكنه يتمنى أن تعود له، فيغفر لها ويحتضنها، وكأن ما كان، ما كان.
ختاماً..
رواية مؤلمة عن الحرب والموت، لفرس أظن أنه احتضر بالفعل، وتجربة أولى ستشجعني على القراءة لخليل صويلح مرات أخرى.