تُمثل رواية "أورانوس" الحالة ما بعد الحروب عامة، وفي حالة الرواية؛ حالة فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، وما جرى فيها من قصف ودمار وخراب لمناطق عديدة، ويتخذ "مارسيل إيميه" من بلدة "ليمون" مركزاً للأحداث والشخصيات والصراعات العديدة بين الايدولوجيات العديدة التي انقسم إليها الشعب، وما بين موافق ومُعارض، ما بين شيوعي واشتراكي، تأتي فكرة المعاناة البشرية في الأساس، أن أياً كانت المُحصلة، أياً كان الناتج، فالمعاناة جزء لا يتجزأ من الحياة، فتلك الفترة الظلامية القاتمة من تاريخ فرنسا، ستجدها في أي وقت وأي مكان في العالم، وستجدها في أي بلد بعد الحروب/الثورات، ذلك التشتت المُربك، وعدم معرفة وفهم وتنبؤ المستقبل يُعد دلالة على ذلك، فكلما تتطلع إلى المستقبل، تجد ظلام حالك ورؤية ضبابية.
ومن خلال لفيف من الشخصيات في البلدة، لفيف مُتشابك بحق، يعرض "مارسيل إيميه" التقلبات البشرية، ويغوص في طريقة تفكيرها، ما بين موافق ومُعارض، يُحاول الكاتب أن يرسم صورة وجودية للبشرية، يُمكن أن يتعايش فيها الطرفين، بطريقة أكثر تحضر، دون الاضطرار إلى حبس وتخوين المُعارض، أو ممارسة أي شكل من أشكال الديكتاتورية عليه، وذلك كما نعرف شديد الصعوبة، فدائماً المعارض ما يسهل تخوينه أو سحله أو سجنه أو حتى قتله! وهذه النظرة التشاؤمية هي ما وجدته كدلالة حقيقية على الواقع، والسواد الذي يغلفه.
جدير بالذكر أن الرواية ليست سهلة في قراءتها تماماً، ولا أدعي فهمي وتواصلي بكل الإحالات إلى التاريخ والسياسة والفن والأدب، ولكن، لا تأتي أهمية هذه الرواية على الجانب السياسي والاجتماعي فقط، بل هي تتوغل إلى أكثر من ذلك، إلى الأدب والفن، والفلسفة، فلذلك سيكون قراءة بعض الفصول أو الأجزاء بمثابة تحدي حقيقي، والأجمل أنه ليس بالضرورة أن تفوز بهذا التحدي، بل يكفي فقط أن تستمع به.
رواية جيدة، ذات ترجمة مبذول فيها جهد كبير –واضح في الحواشي- وتمثل فترة ضبابية من تاريخ فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، فمن يكون مُهتماً بهذه الفترة، فأرشح لك هذه الرواية بكل تأكيد.