"الريحاني بين الضحك والدموع"
إذ أردت أن تتعرف علي شخص معرفة صادقة بدون قيل وقال فعليك أن تسأل ذلك الشخص مباشرة ماذا تريد أن تعرف أو ماذا حدث له في حياته أو.. أو.. أو.. ،لكن ماذا لو لم يعد ذلك الشخص موجودا وقد فارق الحياة منذ أكثر من ثلاثة وسبعين عام، ولكنك تريد أن تعرف وتتعرف علي هذا الشخص وعلي حياته وعلي حياته العملية إذا عليك بما كتبه عن نفسه بقلمه وبخط يده بيمناه كما وصفه هو شخصيا عليك بقراءة مذكراته التي خطها بيده، وليس أن تسأل أناسا أخريين لا يوجد أحدا منهم عاصر تلك الأحداث ولا يعرفها أكثر من الذي عاصرها ودونها . إذا كنت تريد أن تتعرف علي الكوميديان الأبرز وسيد ورائد مسرح الفكاهة في مصر، الممثل المتميز الذي حفر اسمه بحروف من ذهب في تاريخ المسرح المصري نجيب الريحاني ورحلته التمثيلية والفنية والعقبات التي واجهته فيها فعليك بقراءة مذكراته الشخصية التي خطها بيديه. وقد قامت دار كلمة للنشر والتوزيع بإعادة نشر مذكرات الريحاني تحت عنوان أيام الضحك والدموع في طبعة جديدة طرحت في المكتبات منذ مدة .
يأخذنا نجيب الريحاني في مذكراته لبداية رحلته الفنية فلا يأخذنا لطفولته أو سنواته المبكرة بل يبدأ مباشرة عندما كان يبلغ من العمر ستة عشر عاما منذ كان بالمدرسة ثم بداية غرامه بالتمثيل والفن فيسطر الريحاني بقلمه بداية الرحلة منذ أول رواية إشترك فيها وهي الملك يلهو، ثم يحكي حبه للدراما وكيف كان يتمني أن يكون ممثلا وفنانا في هذا النوع ولكن الجمهور والظروف دفعته للفكاهة للكوميديا فقد قال الريحاني إنه كان إذا أعد المكياج وبدأ في التحدث أصاب الجمهور نوبة من الضحك . يحكي أيضا الريحاني عن عمله قبل التمثيل أو ما بين فترات التمثيل في بداية حياته المبكرة وكان هذا له علاقة بعائلته وحياته الخاصة وهو أن أمه كانت لا تحب إشتغاله بالتمثيل بل وكانت تخجل من وصفه بالممثل فيحكي الريحاني تركه للبيت ومحاولة كسب أي أموال و وصلت به الحالة إلي النوم في الشارع وعدم وجود حتي ما يأكله فيرينا كيف بدأ حياته بصعوبات كبيرة جدا ويرينا علاقته بقهوة الفن، ثم كيف بدأ في تعريب الروايات وتمثيلها معا، ثم عودته للوظيفة وهنا علاقته بالوظيفة التي كانت علاقته بها في شد وجذب فكسب منها مرات وخسر أموالا كثير ادخرها فعل أفعالا شبابية طائشة، اشتغل بها في النهاية كثير حتي ظن أنه لن يرجع للتمثيل مرة أخري . يحكي الريحاني عن بداية فرقة الكوميدي العربي وعن رحلتهم للوجه البحري لأنها تعد مرحلة مهمة في بداية مشوار الريحاني، وهنا يتحدث الريحاني عن نقلة في حياته الفنية وسيستمر تأثيرها لسنوات وسنوات وهو خلق شخصية كشكش بك التي ستعيش مع الريحاني لسنوات أخري كثيرة وستصل حتي للسينما وستكون أحد علامات الريحاني البارزة في مشواره الفني، وبدأ الزهر في اللعب مع الريحاني والأموال في الإزدياد والنجاح الفني والجماهيري كما قال الريحاني نفسه، ثم حكي الريحاني عن بداية الروايات الاستعراضية بعد رؤية استعراض علي الكسار . نقطة أخري ذكرها الريحاني وهي بداية رحلته مع بديع خيري والذي عمل مع الريحاني في تأليف الأزجال ثم في وقتا لاحق سيصبح شريكا للريحاني في التأليف، وكانت ثلاثية بين الريحاني وبليغ ثم أنضم ثالثهم الشيخ سيد درويش ليلحن الأزجال لتبدأ رحلة من النجاح الفني والجماهيري وحتي المالي، وتحدث أيضا عن محاولته لتوظيف الفرقة في وقت الوفد وسعد زغلول علي بث الروح الوطنية ومحاولة تأليف أزجال في هذا الشأن وعرضها في الروايات، وهنا أيضا شدد الريحاني علي الأموال الطائلة التي أصبح يمتلكها، والغريب أيضا ما قاله الريحاني عن أن الشائعات انطلقت عليه أنه دسيسة إنجليزية، ثم جاءتم فترة يتحدث عنها الريحاني وهي سرقة وتقليد أخريين لشخصية نجيب الريحاني التاريخية وهي كشكش بيك من أمين عطا الله الذي كان أحد أفراد فرقة الريحاني سابقا وتركها حتي وصل الأمر لاتهام الريحاني بأنه هو التقليد،ودفع هذا الريحاني بعض فترة لهجر شخصية كشكش بك .
ظهور يوسف وهبي وعزيز عيد بفرقته كان حدثا في حياة الريحاني فلقد اتجها بفرقتهم للدراما التي عشقها الريحاني سابقا فقرر الريحاني أن يتجه للدراما ولكن لم تقابله الصحف والجماهير بالترحيب الذي كان يريده ويظن أنه يستحقه، بعد بعض الفشل والركود والمشاكل هنا ذهب الريحاني في رحلة لأمريكا الجنوبية القارة الوليدة أو الجديدة في تلك الفترة وكان قصد الريحاني الاستجمام ولكن الأقدار ساقته لتحقيق نجاح ملفت هناك وخاصة في البرازيل والحب الذي اكتسبه هناك فيحكي تجربته ورحلته هناك ، ويحكي أيضا طرائف ومواقف عجيبة من رحلة الذهاب .
ثم يسطر الريحاني ويتحدث عن رحلته للأقطار العربية، وبعد شرح تلك الرحلة يتحدث عن أول عمل له بالسينما وهو نقل كشكش بيك للسينما بفيلم يحمل اسم صاحب السعادة كشكش بيك وما واجهة من مشاكل في ذلك الفيلم .
ثم يعرج بنا إلي بداية عهد لجنة التشجيع وما جناه منها وتشجيع الأديب طه حسين له ولفرقته .
ثم في أخر فصول المذكرات يتكلم عن تجربته في السينما بشيئا من التفصيل وكيف بدأ يشتغل بالإثنين معا وكيف واجهته مشاكل في السينما وشعر بالفشل وقال بنفسه أنه سيترك السينما وسيكتفي بنجاحه في المسرح حتي أقنعه أحمد سالم مدير إستديو مصر بالعودة واثبات أن الظروف هي من وقفت في طريق نجاحه في السينما، وهنا تحدث الريحاني عن نجاح فيلم سلامة في خير وعن كرم أهل المنصورة معه وحبهم له بعد عرض الفيلم، وهنا ترك الريحاني القلم تقريبا في عام 1946 أي قبل وفاته بثلاث سنوات وقبل محطة من أهم محطات حياته أخر أعماله فيلم غزل البنات الذي لم يستكمل تصويره ولكنه كان نعيا للريحاني ونهاية حياة حافلة بالفن والابداع وشهادة بنجاحه في السينما بعد إختيار الفيلم في قائمة أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية .
الجانب الشخصي لم يتحدث فيه الريحاني كثيرا، فلم يتحدث عن عائلته بكثرة واكتفي بذكر كره وبغض أمه لتمثيل وفرحته عندما تفاخرت به في أحد المواقف، وأخيه الصغير الذي كان قريبا من قلبه ولكنه خرج ولم يعد .الشق الثاني كانت علاقته العاطفية الذي ذكر فيها بعض طيش الشباب في بداية حياته مرورا بلوسي الذي أعتبر خلافهما فيما بعد هو نحس وقد حل عليه، أو بديعة مصبني الذي ضمها لفرقته وأغرم بها وفتح لها طريق الفن والنجاح فيه وعرفها كممثلة وبطلة ومغنية وأنه من فتح لها طريق النجاح.
في النهاية لقد خط الريحاني مذكراته بطريقة جميلة ممتعة من حيث اللغة الممتازة وفي نفس الوقت السهل الممتنع وظهرت جليا خفة دمه وكوميديته وشخصيته المميزة في كلماته، ولكن يظل أن القارئ يشعر بكيف عاني الريحاني في حياته وكيف رغم كل هذه الفكاهة ولكنه كان في بعض الفترات حزينا لأكثر من ما نظن ويتجلي في ذلك شيئا تطرق إليه الريحاني كثيرا وأثرت عليه طوال حياته وهو أزمات وديون الريحاني التي طاردته في معظم فترات حياته ودفعته لتمثيل وفعل أشياء لم تكن بكامل إرادته ، وكارهيه الذين كانوا لا يريدون نجاحه ، وتشديده علي أن كان هنالك الكثير من من لا يحبه ولا يريد نجاحه وشعوره أنه لم يلقي التقدير الكافي .
من المؤكد أن نجيب الريحاني حفر اسمه بحروف من ذهب في تاريخ المسرح وستظل كوميديته راسخة في أذهان الكثير رغم كل شئ وسيبقي حيا طوال وجود المسرح والفن .