موكا سيتي : سيرة ذاتية لتاريخ القهوة > مراجعات رواية موكا سيتي : سيرة ذاتية لتاريخ القهوة

مراجعات رواية موكا سيتي : سيرة ذاتية لتاريخ القهوة

ماذا كان رأي القرّاء برواية موكا سيتي : سيرة ذاتية لتاريخ القهوة؟ اقرأ مراجعات الرواية أو أضف مراجعتك الخاصة.

موكا سيتي : سيرة ذاتية لتاريخ القهوة - سمير محمد
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم



مراجعات

كن أول من يراجع الكتاب

  • لا يوجد صوره
    5

    رواية موكا سيتى

    تستدرج الماضى لتدين ثقافة كراهية اليوم

    أن تمتعك رواية مختلفة بأسلوب وفكر كاتبها، وقد ذهب بك بعيدًا، إلى قرون خلت، وما تعيشه من حياة مختلفة عن حياة اليوم، فلا ملابس مثل ملابسك، ولا طعام هو طعامك، ولا سيارات أو طائرات أو سكك حديد، ولا إذاعة أو هاتف أو تليفزيون، ولا شبكات تواصل اجتماعى فى زمن ومجتمع هذه الرواية، فمعنى ذلك أن الكاتب قد نجح بجذبك، بل وزرعك، وسط مجتمع روايته المدهش، لتعيش لحظات فارقة مع قراءتها.

    «طابت ليالى فى شط المخا، غرباء جئنا نرتجى ثم الرخاء، إن الضيوف بأرضنا هم سادة، والطَّيّب الوافى يصير لنا أخا»، تلك الأبيات آخر ما سطرها الكاتب فى نهاية الرواية لتقدم روح تلك المدينة.. «كان التنافس شديدًا خصوصًا من قبل المصريين ووكلائهم، وكذلك التجار من جدة، وبعض الأتراك، كما أن هناك قلة من الفرس والأكراد إلى جانب الهنود والإنجليز ومارك الهولندى، كانت مدينة بيت الفقيه تضم العالم كله وتغذى العالم من خيرات اليمن وتمنح الآفاق رائحة البن اللذيذ كأكبر سوق للبن فى العالم»، تلك السوق الكبيرة التى ينقل إليها البن من أسواق الجبال فى حجة وريمة، كسوق الصلبة، الحدية، وعلوبة، وأسواق أخرى منتشرة، ومن بيت الفقيه يتم نقله إلى موانئ عدة، لكنها المخا، ميناء البن الرئيسى، تستحوذ على تصديره إلى كافة القارات، حيث الوكالات ومكاتب الشركات هناك.

    مدن إنسانية، نفتقر إلى مثلها فى حياتنا وفى وطننا الحاضر، إذ إن الآخر أصبح لدينا الآن هو العدو، وهو الباطل ونحن الحق.. وذلك بفضل الفهم الخاطئ لديننا الذى يستخدمه الرعاع من الفقهاء، ويحولونه إلى دين رافض ومكفر لما عداه.

    اعتمد الكاتب على البحث والتقصى، لينتج رواية تاريخية بامتياز، حيث يظهر من خلال الكم الهائل للمعلومات التاريخية الدقيقة، أن الكاتب بذل جهدًا كبيرًا قبل أن يبدأ بصياغة هذا العمل الثرى بجوانبه الموضوعية، والرائع فنيًا.

    حين بدأت بقراءة الرواية لم أجد ما يشير إلى نشاط كاتبها الأدبى ولا نتاجه، لأعرف لاحقًا أنه أصدر قبل هذا العمل رواية أخرى بعنوان «السلاحف العرجاء»، وكذلك له نشاط أدبى متواصل، وكم أتمنى على دور النشر حين تصدر لكتّابها أعمالهم أن تفسح مساحة صغيرة للتعريف بهم أدبيًا، سواء فى الغلاف الأخير، أو على إحدى صفحات العمل الأخيرة.

    «موكا سيتى» أو مدينة المخا، زرتها قبل أكثر من عشر سنوات، أكثر من مرة، وجدتها بقايا مدينة مهملة، بميناء صغير لقوارب الصيادين، ما رأيته لا يشابه ما جاء فى هذه الرواية، لمدينة بحركتها التجارية، وتنوع البشر من مختلف القارات، سوق تجارية نشطة بمكاتب ووكالات تجارية ومتاجر ومخازن لتخزين السلع، وأسواق ومقاه ومشارب، وميناء ترسو فيه سفن كبيرة بقياس ذلك الزمن، سفن تجارية تجوب بحار العالم، ناقلة السلع المختلفة.

    الكاتب صور فى مشاهد سردية دقيقة، إيقاع سوق المخا، عوالم المدينة بجوانبها الدينية المتمثلة بجامع الشاذلى، ودوره فى أوساط المجتمع، وتلك اللقاءات بين المقيمين الأوروبيين من العاملين فى الوكالات التجارية، ومشاهد صفقات بيع وشراء، وكذلك رحلات بين أسوق البن فى تهامة وحتى الجبال العالية، لقاء مارك بحاكم المخا، ولقاء صابر بالصائغ اليهودى فى ذباب، مشاهد ذلك الصراع المحتدم بين الأئمة، بداية من المحطورى، مرورًا بسلاطين البيضاء ويافع، ونهاية بإمام المواهب وغيرهم، سلاحهم التكفير لمن يخرج عن طاعتهم «وللإمام المتوكل إسماعيل بن القاسم فتوى شهيرة باعتبار أراضى اليمن الأسفل أرض كفار، بسبب ولائهم لحكم الأتراك، فهم إذًا كفار بالتأويل»، بل وتعامل الإمام بعد انتزاعهم من الأتراك معاملة سكان خيبر، وتغيير زكاة المال المفروضة عليهم من عشرية كما هى على المسلمين، إلى خراج كما هى على غير المسلمين، إلى آخر تلك المشاهد التى تجعل القارئ يرى بعين سينمائية ما يعتمل على أرض واقع ذلك الزمن.

    وقد اختار الكاتب «صابر» الفتى اليافعى كشخصية محورية لهذا العمل، ثم «مارك» الهولندى، أحد موظفى شركة الهند الشرقية الهولندية، كشخصية أخرى رئيسية، لتتوالى بعد ذلك أسماء الشخصيات الثانوية، من «روبير» القبطان الفرنسى، إلى «سايمون» الإنجليزى، والبافارى «فريدريك»، والشيخ طه إمام مسجد الشاذلى، إلى «سوراجى» البانيانى، والحاج أيوب العريقى، تاجر بن، وعم الفتى صابر، الذى يعمل فى السوق وشخصيات ثانوية أخرى.

    الرواية قدمت اليمن كوطن لا يشابه نفسه فى الوقت الحاضر إلا فيما يتعلق بالتناحر المذهبى على المال والسلطة، ليبرز البن كعنصر سحرى جلب الجميع من الشرق والغرب إلى مائدته، بل وجعل من داخل اليمن من أطراف الحجاز وحتى صحراء الربع الخالى شرقًا يعملون فى هذا المجال.

    رواية فى مائتى صفحة، توزعتها ثمانية عناوين: المكتب الهولندى فى المخا، ويحكى هذا الفصل بداية تعارف صابر الصبى اليمنى، والهولندى مارك، بعد رؤيته على حماره، وتلك العلاقة بين الحيوان والصبى التى نبهت الهولندى إلى روح صابر الإنسانية، ليقترب ويتعرف عليه، ويدعوه للعمل كمساعد له فى وظيفته بفرع الشركة فى المخا، والمهتمة بتجارة البن، ومن ساعاتها ينطلق صابر إلى عالم لم يألفه من قبل، وسط عدد من غير اليمنيين ممن يعملون فى الشركة وأصدقاء مارك.

    فيما عالج الفصل، الذى عنونه الكاتب بـ «نيوتن»، البدايات التى انتشرت فيها مقاهى البن فى العالم، حيث جاء ذكر نيوتن من باب التفاخر من أحد مواطنيه، وأثر البن على هذا العالم الكبير، وهكذا نجد بقية الفصول، من فصل البن اليمنى، إلى فصل طريق البن العالمى، وكذلك فصل بعنوان فرار حول موانى البن، إلى فصل «المسير إلى بيت الفقيه»، الذى يحكى عن أسواق البن، بداية من الجبال فى حجة، مرورًا بصابية أقصى شمال تهامة، وسوق بيت الفقيه التى وصفت بأنها أكبر أسواق البن آنذاك، إلى طرح ما يدور فى تلك الأسواق والتأثيرات المحلية من حرب المحطورى، إلى نهايته، وكذلك التنافس العالمى، ثم تلك المشاهد على متن السفينة «بيرين»، ونبوءة اليهودى «يائير»، ووطن البن.

    هناك عدة أدوات فنية استخدمها الكاتب لحبك روايته وتشويق القارئ ودفعه لقراءتها، منها ذلك الخلاف بين صابر وعمه الجشع، ثم تلك الميول العاطفية لصابر نحو جارته، التى كان يراقبها من شيش نافذته، أثناء ممارستها لأعمالها المنزلية ظانا منه أنها لا تراه، ليكتشف بعد حين أنها تعرف تلصصه عليها وتسعد بذلك، ويعرف لاحقًا بحكايتها وزواجها من رجل مسن على شفا القبر، ولذلك ظلت تحلم بالانعتاق، أن ترتبط بحب مع شاب فى سنها، إلى جانب تلك العلاقة المضطربة بين الحاكم والتجار، ومنهم موظفو الشركة الهولندية.

    جاءت أحداث رواية «موكا سيتى» بأسلوب سلسلة الأحداث المترابطة، وتلك العلاقات المتوترة، مظهرة الكم الهائل من المعرفة التاريخية التى يمتلكها «سمير محمد»، الذى استطاع التخلص من تقريريتها من خلال ما عاشه صابر، الفتى الأمين المتدين الذى تحاول أهواء الشباب جذبه، ولكنه دومًا ما كان يتغلب عليها.

    ومن الجوانب الموضوعية التى تميزت بها الرواية الصراع على السلطة، كما أن الجميع كانوا يرفعون شعارات دينية، وكأن ما نعيشه اليوم هو نسخة مشوهة لصراع تلك الأزمنة، وأن الحاكم لا يهمه من الناس إلا الجباية، كحق إلهى، بينما ليس عليه أى واجب تجاه من يتحكم بهم، وبذلك ظهر الحاكم تاجرًا، وتجارته دين الله، واستعباد الخلق به.

    تلك العلاقة بين صابر ومارك هى جوهر أو رسالة هذه الرواية، فقد شكلا ثنائيًا جميلًا، بالمقابل كانت العلاقة السيئة بين صابر وعمه، والتى وصلت إلى درجة محاولة العم قتل صابر ومارك «فقام عمه برمى الخنجر الذى أصاب صابر إصابة بجانب الترقوة فسقط صابر على الأرض ليجرى مارك لاحتضانه وهو يخشى أن تكون الطعنة قاتلة، استغل عم صابر ما حدث وهرب.. يلوم مارك، صابر على تصرفه الذى كان سيؤدى بحياته، لكن صابر قال له: لم أعرف أبى إلا قليلًا فى سنوات عمرى الأولى فى طفولتى، وليس لى أخ، ولم أكن أعرف معنى الأبوة أو الأخوة حتى تعرفت عليك... »، هنا تتجلى روح الإنسانية الحقة.

    كما رصدت الرواية تهجير اليهود من صنعاء، فى قرار غير إنسانى لإمام ما كان يهمه إلا النهب والتملك، إلى جانب عودتهم ونبذهم فى حى خارج صنعاء، وهو قاع اليهود الذى احتوته المدينة بعد تمددها.

    بالإضافة لذلك قدمت مأساة الأخدام وجذور حكايتهم، فبعد أن كان حكام زبيد يجلبون من يخدمهم من زيلع، على الجانب الآخر، من البر الإفريقى كخدم وعسكر، تحول الأمر مع الأيام ليسيطر الأخدام على السلطة، بداية بشخص اسمه النجاحى، وبذلك سميت السلطنة باسمه، الدولة النجاحية، حكموا تهامة عقودًا طويلة حتى خرج عليهم الرعينى لينظم الناس، ويدفعهم للثورة عليهم، وبذلك انقلبت الكفة وتحول النجاحيون إلى خدم مشردين، وإلى مهمشين حتى يومنا، حيث لم يحاول أى نظام حكم هذا البلد بمساعدتهم لاسترجاع قيمتهم الإنسانية، التى ظلت مهدورة فى وضع لا يرضى الله ولا الضمير الإنسانى.

    جغرافية الرواية لم تقتصر على المخا كما هو العنوان، بل امتدت لتشمل جنوب الجزيرة العربية، من المخا إلى مدن تهامة وحتى الحجاز، وشرقًا إلى الجبال وما يعتمل فيها من تغيرات فى حجة وصنعاء وذمار إلى البيضاء ويافع العليا والسفلى، وإلى عدن وما هو أبعد من عدن، حتى البر الإفريقى، والهند وشرق آسيا وشمال ووسط أوروبا.

    وقد طعّم الكاتب روايته بقصائد وحكايات لشخصيات ذلك الزمن، من علماء وقادة وأئمة وسلاطين وأحبار، مثل عفيف الدين اليافعى، وجوست فان دين فاندل الهولندى، والحاخام سالم الشبزى، والهولندى أدريان فاليريوس، ويحيى عمر اليافعى، بالإضافة لابتهالات عدد من الأولياء الصالحين.

    حفلت الرواية بعدد وافر من الحكايات المميزة والمختلفة، وإن ظلت الروح التى غمرتها بحب الوطن الكبير هى رسالتها، وحب القيم الإنسانية ونبذ التعصب والمناطقية والظلم.

    لقد قامت هذه الرواية بعقد محاكمة سردية لعصرنا الحالى، من خلال استعراض حياة عصر مضى، لنظهر كأننا لم نبرح مكاننا، بينما أمم الأرض تجاوزت تخلفها، لتسير نحو آفاق التطور والقيم الإنسانية العظيمة.

    أخيرًا فإن رواية «موكا سيتى» ملحمة إنسانية فى صفحات شيقة.

    Facebook Twitter Link .
    1 يوافقون
    اضف تعليق
  • لا يوجد صوره
    5

    رواية موكا سيتى

    تستدرج الماضى لتدين ثقافة كراهية اليوم

    القاهرة: المصري اليوم |

    أن تمتعك رواية مختلفة بأسلوب وفكر كاتبها، وقد ذهب بك بعيدًا، إلى قرون خلت، وما تعيشه من حياة مختلفة عن حياة اليوم، فلا ملابس مثل ملابسك، ولا طعام هو طعامك، ولا سيارات أو طائرات أو سكك حديد، ولا إذاعة أو هاتف أو تليفزيون، ولا شبكات تواصل اجتماعى فى زمن ومجتمع هذه الرواية، فمعنى ذلك أن الكاتب قد نجح بجذبك، بل وزرعك، وسط مجتمع روايته المدهش، لتعيش لحظات فارقة مع قراءتها.

    «طابت ليالى فى شط المخا، غرباء جئنا نرتجى ثم الرخاء، إن الضيوف بأرضنا هم سادة، والطَّيّب الوافى يصير لنا أخا»، تلك الأبيات آخر ما سطرها الكاتب فى نهاية الرواية لتقدم روح تلك المدينة.. «كان التنافس شديدًا خصوصًا من قبل المصريين ووكلائهم، وكذلك التجار من جدة، وبعض الأتراك، كما أن هناك قلة من الفرس والأكراد إلى جانب الهنود والإنجليز ومارك الهولندى، كانت مدينة بيت الفقيه تضم العالم كله وتغذى العالم من خيرات اليمن وتمنح الآفاق رائحة البن اللذيذ كأكبر سوق للبن فى العالم»، تلك السوق الكبيرة التى ينقل إليها البن من أسواق الجبال فى حجة وريمة، كسوق الصلبة، الحدية، وعلوبة، وأسواق أخرى منتشرة، ومن بيت الفقيه يتم نقله إلى موانئ عدة، لكنها المخا، ميناء البن الرئيسى، تستحوذ على تصديره إلى كافة القارات، حيث الوكالات ومكاتب الشركات هناك.

    مدن إنسانية، نفتقر إلى مثلها فى حياتنا وفى وطننا الحاضر، إذ إن الآخر أصبح لدينا الآن هو العدو، وهو الباطل ونحن الحق.. وذلك بفضل الفهم الخاطئ لديننا الذى يستخدمه الرعاع من الفقهاء، ويحولونه إلى دين رافض ومكفر لما عداه.

    اعتمد الكاتب على البحث والتقصى، لينتج رواية تاريخية بامتياز، حيث يظهر من خلال الكم الهائل للمعلومات التاريخية الدقيقة، أن الكاتب بذل جهدًا كبيرًا قبل أن يبدأ بصياغة هذا العمل الثرى بجوانبه الموضوعية، والرائع فنيًا.

    حين بدأت بقراءة الرواية لم أجد ما يشير إلى نشاط كاتبها الأدبى ولا نتاجه، لأعرف لاحقًا أنه أصدر قبل هذا العمل رواية أخرى بعنوان «السلاحف العرجاء»، وكذلك له نشاط أدبى متواصل، وكم أتمنى على دور النشر حين تصدر لكتّابها أعمالهم أن تفسح مساحة صغيرة للتعريف بهم أدبيًا، سواء فى الغلاف الأخير، أو على إحدى صفحات العمل الأخيرة.

    «موكا سيتى» أو مدينة المخا، زرتها قبل أكثر من عشر سنوات، أكثر من مرة، وجدتها بقايا مدينة مهملة، بميناء صغير لقوارب الصيادين، ما رأيته لا يشابه ما جاء فى هذه الرواية، لمدينة بحركتها التجارية، وتنوع البشر من مختلف القارات، سوق تجارية نشطة بمكاتب ووكالات تجارية ومتاجر ومخازن لتخزين السلع، وأسواق ومقاه ومشارب، وميناء ترسو فيه سفن كبيرة بقياس ذلك الزمن، سفن تجارية تجوب بحار العالم، ناقلة السلع المختلفة.

    الكاتب صور فى مشاهد سردية دقيقة، إيقاع سوق المخا، عوالم المدينة بجوانبها الدينية المتمثلة بجامع الشاذلى، ودوره فى أوساط المجتمع، وتلك اللقاءات بين المقيمين الأوروبيين من العاملين فى الوكالات التجارية، ومشاهد صفقات بيع وشراء، وكذلك رحلات بين أسوق البن فى تهامة وحتى الجبال العالية، لقاء مارك بحاكم المخا، ولقاء صابر بالصائغ اليهودى فى ذباب، مشاهد ذلك الصراع المحتدم بين الأئمة، بداية من المحطورى، مرورًا بسلاطين البيضاء ويافع، ونهاية بإمام المواهب وغيرهم، سلاحهم التكفير لمن يخرج عن طاعتهم «وللإمام المتوكل إسماعيل بن القاسم فتوى شهيرة باعتبار أراضى اليمن الأسفل أرض كفار، بسبب ولائهم لحكم الأتراك، فهم إذًا كفار بالتأويل»، بل وتعامل الإمام بعد انتزاعهم من الأتراك معاملة سكان خيبر، وتغيير زكاة المال المفروضة عليهم من عشرية كما هى على المسلمين، إلى خراج كما هى على غير المسلمين، إلى آخر تلك المشاهد التى تجعل القارئ يرى بعين سينمائية ما يعتمل على أرض واقع ذلك الزمن.

    وقد اختار الكاتب «صابر» الفتى اليافعى كشخصية محورية لهذا العمل، ثم «مارك» الهولندى، أحد موظفى شركة الهند الشرقية الهولندية، كشخصية أخرى رئيسية، لتتوالى بعد ذلك أسماء الشخصيات الثانوية، من «روبير» القبطان الفرنسى، إلى «سايمون» الإنجليزى، والبافارى «فريدريك»، والشيخ طه إمام مسجد الشاذلى، إلى «سوراجى» البانيانى، والحاج أيوب العريقى، تاجر بن، وعم الفتى صابر، الذى يعمل فى السوق وشخصيات ثانوية أخرى.

    الرواية قدمت اليمن كوطن لا يشابه نفسه فى الوقت الحاضر إلا فيما يتعلق بالتناحر المذهبى على المال والسلطة، ليبرز البن كعنصر سحرى جلب الجميع من الشرق والغرب إلى مائدته، بل وجعل من داخل اليمن من أطراف الحجاز وحتى صحراء الربع الخالى شرقًا يعملون فى هذا المجال.

    رواية فى مائتى صفحة، توزعتها ثمانية عناوين: المكتب الهولندى فى المخا، ويحكى هذا الفصل بداية تعارف صابر الصبى اليمنى، والهولندى مارك، بعد رؤيته على حماره، وتلك العلاقة بين الحيوان والصبى التى نبهت الهولندى إلى روح صابر الإنسانية، ليقترب ويتعرف عليه، ويدعوه للعمل كمساعد له فى وظيفته بفرع الشركة فى المخا، والمهتمة بتجارة البن، ومن ساعاتها ينطلق صابر إلى عالم لم يألفه من قبل، وسط عدد من غير اليمنيين ممن يعملون فى الشركة وأصدقاء مارك.

    فيما عالج الفصل، الذى عنونه الكاتب بـ «نيوتن»، البدايات التى انتشرت فيها مقاهى البن فى العالم، حيث جاء ذكر نيوتن من باب التفاخر من أحد مواطنيه، وأثر البن على هذا العالم الكبير، وهكذا نجد بقية الفصول، من فصل البن اليمنى، إلى فصل طريق البن العالمى، وكذلك فصل بعنوان فرار حول موانى البن، إلى فصل «المسير إلى بيت الفقيه»، الذى يحكى عن أسواق البن، بداية من الجبال فى حجة، مرورًا بصابية أقصى شمال تهامة، وسوق بيت الفقيه التى وصفت بأنها أكبر أسواق البن آنذاك، إلى طرح ما يدور فى تلك الأسواق والتأثيرات المحلية من حرب المحطورى، إلى نهايته، وكذلك التنافس العالمى، ثم تلك المشاهد على متن السفينة «بيرين»، ونبوءة اليهودى «يائير»، ووطن البن.

    هناك عدة أدوات فنية استخدمها الكاتب لحبك روايته وتشويق القارئ ودفعه لقراءتها، منها ذلك الخلاف بين صابر وعمه الجشع، ثم تلك الميول العاطفية لصابر نحو جارته، التى كان يراقبها من شيش نافذته، أثناء ممارستها لأعمالها المنزلية ظانا منه أنها لا تراه، ليكتشف بعد حين أنها تعرف تلصصه عليها وتسعد بذلك، ويعرف لاحقًا بحكايتها وزواجها من رجل مسن على شفا القبر، ولذلك ظلت تحلم بالانعتاق، أن ترتبط بحب مع شاب فى سنها، إلى جانب تلك العلاقة المضطربة بين الحاكم والتجار، ومنهم موظفو الشركة الهولندية.

    جاءت أحداث رواية «موكا سيتى» بأسلوب سلسلة الأحداث المترابطة، وتلك العلاقات المتوترة، مظهرة الكم الهائل من المعرفة التاريخية التى يمتلكها «سمير محمد»، الذى استطاع التخلص من تقريريتها من خلال ما عاشه صابر، الفتى الأمين المتدين الذى تحاول أهواء الشباب جذبه، ولكنه دومًا ما كان يتغلب عليها.

    ومن الجوانب الموضوعية التى تميزت بها الرواية الصراع على السلطة، كما أن الجميع كانوا يرفعون شعارات دينية، وكأن ما نعيشه اليوم هو نسخة مشوهة لصراع تلك الأزمنة، وأن الحاكم لا يهمه من الناس إلا الجباية، كحق إلهى، بينما ليس عليه أى واجب تجاه من يتحكم بهم، وبذلك ظهر الحاكم تاجرًا، وتجارته دين الله، واستعباد الخلق به.

    تلك العلاقة بين صابر ومارك هى جوهر أو رسالة هذه الرواية، فقد شكلا ثنائيًا جميلًا، بالمقابل كانت العلاقة السيئة بين صابر وعمه، والتى وصلت إلى درجة محاولة العم قتل صابر ومارك «فقام عمه برمى الخنجر الذى أصاب صابر إصابة بجانب الترقوة فسقط صابر على الأرض ليجرى مارك لاحتضانه وهو يخشى أن تكون الطعنة قاتلة، استغل عم صابر ما حدث وهرب.. يلوم مارك، صابر على تصرفه الذى كان سيؤدى بحياته، لكن صابر قال له: لم أعرف أبى إلا قليلًا فى سنوات عمرى الأولى فى طفولتى، وليس لى أخ، ولم أكن أعرف معنى الأبوة أو الأخوة حتى تعرفت عليك... »، هنا تتجلى روح الإنسانية الحقة.

    كما رصدت الرواية تهجير اليهود من صنعاء، فى قرار غير إنسانى لإمام ما كان يهمه إلا النهب والتملك، إلى جانب عودتهم ونبذهم فى حى خارج صنعاء، وهو قاع اليهود الذى احتوته المدينة بعد تمددها.

    بالإضافة لذلك قدمت مأساة الأخدام وجذور حكايتهم، فبعد أن كان حكام زبيد يجلبون من يخدمهم من زيلع، على الجانب الآخر، من البر الإفريقى كخدم وعسكر، تحول الأمر مع الأيام ليسيطر الأخدام على السلطة، بداية بشخص اسمه النجاحى، وبذلك سميت السلطنة باسمه، الدولة النجاحية، حكموا تهامة عقودًا طويلة حتى خرج عليهم الرعينى لينظم الناس، ويدفعهم للثورة عليهم، وبذلك انقلبت الكفة وتحول النجاحيون إلى خدم مشردين، وإلى مهمشين حتى يومنا، حيث لم يحاول أى نظام حكم هذا البلد بمساعدتهم لاسترجاع قيمتهم الإنسانية، التى ظلت مهدورة فى وضع لا يرضى الله ولا الضمير الإنسانى.

    جغرافية الرواية لم تقتصر على المخا كما هو العنوان، بل امتدت لتشمل جنوب الجزيرة العربية، من المخا إلى مدن تهامة وحتى الحجاز، وشرقًا إلى الجبال وما يعتمل فيها من تغيرات فى حجة وصنعاء وذمار إلى البيضاء ويافع العليا والسفلى، وإلى عدن وما هو أبعد من عدن، حتى البر الإفريقى، والهند وشرق آسيا وشمال ووسط أوروبا.

    وقد طعّم الكاتب روايته بقصائد وحكايات لشخصيات ذلك الزمن، من علماء وقادة وأئمة وسلاطين وأحبار، مثل عفيف الدين اليافعى، وجوست فان دين فاندل الهولندى، والحاخام سالم الشبزى، والهولندى أدريان فاليريوس، ويحيى عمر اليافعى، بالإضافة لابتهالات عدد من الأولياء الصالحين.

    حفلت الرواية بعدد وافر من الحكايات المميزة والمختلفة، وإن ظلت الروح التى غمرتها بحب الوطن الكبير هى رسالتها، وحب القيم الإنسانية ونبذ التعصب والمناطقية والظلم.

    لقد قامت هذه الرواية بعقد محاكمة سردية لعصرنا الحالى، من خلال استعراض حياة عصر مضى، لنظهر كأننا لم نبرح مكاننا، بينما أمم الأرض تجاوزت تخلفها، لتسير نحو آفاق التطور والقيم الإنسانية العظيمة.

    أخيرًا فإن رواية «موكا سيتى» ملحمة إنسانية فى صفحات شيقة.

    ****

    Facebook Twitter Link .
    0 يوافقون
    اضف تعليق
  • لا يوجد صوره
    5

    كتاب أكتر من رائع بجد عرفني جزء من تاريخ اليمن الي ماكنتش اعرف عنه أي حاجة بجد بالإضافة لتاريخ الموكا بشكل عام استمتعت بالرواية من أولها لآخرها وأجمل حاجة فيها التعايش مابين مارك وصابر الي بحبه جدًا مع كل المختلفين الي أؤرفهم خصوصًا الي أعرفهم عن قرب وندم عم صابر معه رغم إنو له ماله وعليه ما عليه بصراحة كمان الأجمل من كل دا إنو الرواية ممتعة من أولءها لآخرها ومافيهاش ولا أي نوع من أنواع الملل مشكورين أبجد على الرواية دي وعيزيَن المزيد من مألفاآ المألف الجمي£ دا وجزاكم الله خيرًا.

    Facebook Twitter Link .
    0 يوافقون
    اضف تعليق
  • لا يوجد صوره
    3
    Facebook Twitter Link .
    0 يوافقون
    اضف تعليق
  • لا يوجد صوره
    4
    Facebook Twitter Link .
    0 يوافقون
    اضف تعليق
  • لا يوجد صوره
    3
    Facebook Twitter Link .
    0 يوافقون
    اضف تعليق
  • لا يوجد صوره
    2
    Facebook Twitter Link .
    0 يوافقون
    اضف تعليق
  • لا يوجد صوره
    5
    Facebook Twitter Link .
    0 يوافقون
    اضف تعليق
1