كل حديث عن الأغاني الشعبية دون الحديث عن أغاني المهرجانات لا يعول عليه
كل حديث عن أغاني المهرجانات دون الحديث عن كيمو الديب و فيجو الدخلاوي و ساسو و ماندو العالمي وأبو عبير ريميكس لا يعول عليه.
الكتاب اسمه: تاريخ الغناء الشعبي من الموال إلى الراب. لكن الكاتب وقع في فخ مؤرخي الكتب المدرسية و الروايات الرسمية فأصبح تاريخ المغنين لا تاريخ الغناء.
أنا لا يعنيني في شيء قصة حياة المطرب بقدر ما يعنيني تطور تاريخ الأغنية و صناعتها. كيف تطور اللحن من الموال و القافيه إلى المقامات الكلاسيكية و حتى الغناء الشبه أوبرالي في مرحلة الستينات لفرق الفنون الشعبية التي تم اهمالها تماما في الكتاب إلى أن وصل الى عدويه و حسن الاسمر و من ثم ويجز و حمو بيكا و مراوان بابلو.
الأغنية نفسها كتابة و موضوعا و لحنها و موسيقاها هي ما يسمى تاريخا و ليس تعداد لأسماء المطربين و الفرق و اماكن ولادتهم و ترعرهم و ظروفهم الاجتماعية. كل هذا جيد و يعطينا فكرة عن بيئة الأغنية و لكنه ليس هو ما يجب تقديمه كتاريخ للأغنية.
يبدأ الكتاب بفصل بعنوان: الشعبي من عدويه إلى المهرجانات و كأن الشعبي ابتدأ بعدوية! حتى بحث الكاتب نفسه لم يكن كذلك فقد ذكر فناني الصعيد و الريف من المشاهير و ان لم يكن قد كتب نماذج من الأغاني غير المشهورة كأغاني الأفراح و المناسبات كموسم الحصاد و مواسم الزراعة المختلفة و كذلك المناسبات الدينية و الأعياد و أغاني عمال التراحيل و غيرها من الأغاني التي كانت و ما زالت أصل الغناء الشعبي الذي تطور بعد ذلك لأشكاله المعروفة.
بالرغم من أن هذا الفصل يعتبر هو الأفضل في الكتاب كله إلا أنه افتقر إلى ضرب الأمثلة بأغاني معروفة عند شرحه للمقامات اللحنية المختلفة للموال و الأغنية الشعبية أو وضع رابط لسماع ما ذكره أو حتى موقع الكتروني أو كلمات مفتاحية للبحث في الموضوع فكانت مصطلحات غامضة لا تفيد و مجرد كلمات مثل إيقاع السوكيو و كومبان كاش و غيرها من المصطلحات الغامضة.
عندما تحدث عن أغاني المهرجانات لم يعطها الحيز الكافي رغم كونها أشهر بكثير من الراب و تعد المكافيء المصري له و أعلى منه في سلم التطور بالنسبة لذوقنا الفني و بدأ الكلام عن المهرجانات بمعلومة مغلوطة بأنها تعتمد على أقل عدد من الكلمات و هذا مناقض تماما للحقيقة فأي مستمع لأغاني المهرجانات سيحتاج إلى نسخة مكتوبة من الأغنية لأنه لا يكاد يستوعب ما يفال من أول أو ثاني أو عاشر مرة بدون الرجوع لقائمة كلمات الأغنية. على العكس من ذلك فإن الأغنية الكلاسيكية هي التي تعتمد أقل عدد من الكلمات فأغنية مثل كامل الأوصاف لعبدالحليم حافظ تضمنت ثمانية و تسعون كلمة فقط بعد حذف التكرار و يغنيها العندليب في ربع ساعة بدون المقدمة الموسيقية و تصل إلى نصف ساعة في الحفلات. أما أي أغنية مهرجانات و على سبيل المثال حملة إتلاف لحمو الطيخا فتتضمن نحو أربعمائة كلمة تزيد عليها التحيات و الكريديتس في نهاية الأغنية بمئتي كلمة أخرى على الأقل و تستغرق ستة دقائق فقط. هذا مثال بسيط يدل على أن الكاتب اختلط عليه الأمر في هذا الموضوع كما في موضوعات أخرى.
يكتب ياسر ثابت فصل كامل عن ويجز في ربع الكتاب تقريبا و مع احترامي الكامل لويجز و أنا واحد من جمهوره و استمتعت بما كتبه ياسر إلا ان فصل كامل عن مطرب واحد لنوع واحد من الغناء الشعبي يعد اسرافا في غير موضعه و خصوصا انه خصص للراب نصف الكتاب تقريبا و نجد ويجز حاضر أيضا بقوة في هذا الجزء.
يتحدث عن فيروز كراويه و دينا الوديدي و مريم صالح و يسرا الهواري و غيرهم من مطربي الجيل الغاضب من الشباب مع الفرق الفنية التي سبقت ثورة يناير و تأثرت بها و أثرت فيها على أنهم من الغناء الشعبي و هو ما يخالف الحقيقة تماما إلى جانب أنه اهتم أيضا بتاريخ هؤلاء الأشخاص لا الخصائص المميزة لأغانيهم.
الجزء الخاص بالراب الأمريكي هو الأمتع لأنه في صميم الموضوع و مكتوب بعناية عن تاريخ الراب لا تاريخ الرابرز و ذلك لأنه ببساطة منقول و إن لم يصرح الكاتب بذلك بل أشار إلى عدة مصادر مع أن فقرات كاملة قد تم وضعها بطريقة القص و اللصق في الموضوع بأكمله.
الكتاب كان من الممكن أن يكون جيدا لو تدارك كل ذلك فالفكرة في حد ذاتها غير مسبوقة في المكتبة العربية و كنت أتمنى الغوص أكثر في تراثنا الشعبي الغنائي الثري بصورة أكثر جدية و احترافية.