مهما يكُن الذي وصلنا إليه من حياة مُستقرة أو وضع مُؤقت لكننا راضون عنه ، فإننا دائماً نعود بالذكري إلي البدايات أو ما قبلها ، حيث كان واقعنا الحالي حينها مُجرد حلم يدور في فلك عقولنا الصغيره التي تُفكر بتلقائية وتتحدث بالهوي والرغبة.
ورغم أن الأمور تزداد تحسُناً كلما كبرنا ونحن علي الطريق الذي أردنا واخترنا ، ولكن النفس التي تطوق إلي مآل أكبر وأحلام أكثر لا تتوقف عند حلم واحد ، فتجدها دائماً تسأل مهما بلغ بها الحال من الرضا ( ماذا بعد ؟ ).
تحكي رحاب تجربتها في العمل كصحفية منذ أن كانت تحلم بهذه المهنة ، تسرد سنوات من عمرها بين خطين متوازيين ( الماضي والحاضر ) ، تتحدث بلسان كل من مر بتلك الخطوات الصعبة لأنه قرر فقط أن يكون صحفيّ.
سنوات الدراسة ، حماس الكُلية ، أوقات التدريب الصعبة التي قد تمتد لسنوات أيضاً ، بضعة كلمات أكتبها ، لكن رحاب سطّرت وحكت كل شيء بتفاصيلة الروتينية المُؤلمة والقاتلة لأعتي المُتفائلين.
وضع مُزري ، هكذا يُمكن أن تصف حال الصحافة من خلال الحالة الحقيقية التي ستراها من واقع حكاية رحاب الشخصية قبل يناير ٢٠١١ ، مجهودات كُبري يقوم بها الصحفي ، استيقاظ متواصل ومتابعة مستمرة ، سعي لا ينقطع من أجل الحصول علي معلومة أو صورة أو حتي سطر يوضع في مُربع الانفرادات الخاصة ، كل ذلك مُقابل مُرتب زهيد لم يتعد المائتي جنية في الكثير من الأوقات.
كل هذا غير استغلال النفوذ وتهميش المتدربين والاستحواذ علي مجهود الآخر ونشر إنتاجة بإسم غير صاحبة ، حالة عامة من الفساد والإحباط تأكل في حلمك وتجعلك تتركة وترحل بضمير مستريح.
من الممتع في الكتاب أيضاً تفاصيل رحلة ألمانيا التي كانت بمثابة جائزة حصلت عليها رحاب كمُتدربة ممتازة في إحدي الوِرش.
الرحلة كانت قليلة الوقت لكن برنامجها كان مُكثفاً سريع الاستفادة ، انتقلت بنا رحاب بين دهاليز الصحافة الألمانية التي يظهر مع التجربة الفوارق الكبيرة بين طُرق إدارة المؤسسات هُنا وهُناك ، والاستراتيجيات الجدّية المختلفة والحديثة التي يتتبعونها هناك في كل المجالات التي تخص الصحافة الحقيقية.
المُلفِت في كل الحكايات هو حالة المُثابرة والإصرار التي تميزت بها الكاتبة منذ أن كانت طالبة تُريد الاستفادة الحقيقية من وراء الدراسة حتي أصبحت صحفية إسماً وفعلاً.
كل المواقف كانت صعبة ، قاسية ، ولا أبالغ إن قُلت أنها ظالمة وغير مُنصفة ، لكن الله دائماً حاضر وعنده الجبر.
هو كتاب عن رحلة رحاب لؤي مع الصحافة ، لكني أظن أنه وثيقة مُهمة تشهد علي نموذج صمد كثيراً كي يصل لحُلمة ، ومهما خذلة هذا الحلم وأضعفة لم يكُن ييأس ولا يغادر معركتة رغم كل الظروف.
فخور بتجربة رحاب وشجاعتها وقدرتها علي الحكي ، الكتاب يُعتبر نقل تجربة كاملة واقعية من العديد من النواحي ، جميل وممتع وملئ بالتفاؤل المُعدي رغم كمّ الإحباطات.