#ماراثون_القراءة_مع_بيت_الياسمين
أنت!.. كيف تصنع لنفسك ومن نفسك علامة تجارية شخصية مميزة
حقًا Chapeau لمؤلفة هذا الكتاب الكاتبة والشاعرة والمترجمة نهى بهمن، على هذا المحتوى الباهر الذي صنعته لنا. محتوى كقطعة من المتعة السيالة تذوب في العقل. وفيه تتحدث عن مصطلح يعد من أهم مصطلحات ثقافة الحياة العملية الجديدة التي يعيش بها وفيها عالم اليوم؛ وهو مصطلح "العلامة التجارية الشخصية" أو ما يعرف بالتمييز الشخصي personal branding. فالمحور الأساسي للكتاب هو: كيف تبني لنفسك علامة تجارية شخصية مميزة، أو بصيغة أكثر دقة: كيف تصنع من نفسك علامة تجارية شخصية مميزة.
والهدف من الكتاب كما تبين المؤلفة ليس إصدار دليل أو كتالوج إرشادي ونحو ذلك، وإنما الهدف أن يكون محرضًا علي التغيير، واستكشاف الطريق المؤدي إلى تحقيق التمييز الشخصي.
*****
في البداية تقدم المؤلفة للقارئ عنوان مدرستها الابتدائية (بأسلوب مجازي!)... العنوان هو "التنمر بالطفل"... سواء من التلامذة زميلاتها يرفضن اللعب معها أو الجلوس بجانبها لسبب ما لا داعي لذكره لأنه قد يختلف من حالة لحالة، أو من المدرسات حين تقوم إحداهن -بالفذلكة التي نعرفها وخبرناها وعانينا منها جميعًا- باستبدال أشطر تلميذة في الفصل لتمثيل دور البطولة في عرض مسرحي بتلميذة أخري بليدة أو متوسطة لنفس السبب. وعجبًا إذ يتساوى عقل الطفل والكهل في ظاهرة التنمر.
"عشان لما حد يسأل هي الست دي جاية منين؟ تقول له: جاية من مدرسة التنمر يا بابا!".
لم تركن الطفلة في مواجهة التنمر للانطواء والعزلة، ولكنها انتصرت في معركتها المبكرة التي فرضت عليها بسلاح التفوق، والذي تسميه المؤلفة "سلاح التميز" (أظنه اختلاف لغة بين جيلين). بل استمرت سنوات طويلة بلا أصدقاء تركز على المذاكرة والقراءة وتأليف القصص والرسم؛ فهي تسعى حثيثًا نحو مزيد من التفوق، فقد تعلمت من تجربتها أنه المفتاح السحري لحل أي مشكلة تواجهها.
وبرغم أن المؤلفة انتقلت بعد ذلك لمناقشة وتناول موضوعات أخرى مختلفة، وأمسكت بمفاتيح أخرى كثيرة، لكنني -كقارئ- أقرر أن مفتاحها الذي استمر مع السياق العام للكتاب حتى آخر صفحة كان هو "سلاح التميز". حتى في اختياراتها للنماذج وقصص النجاح التي ترويها كان هذا المفتاح هو المقياس والفيصل.
ثم تنطلق بنا المؤلفة إلى لب الكتاب... إلى أبواب ونوافذ السوشيال ميديا المفتوحة علي مصراعيها للمواهب في كافة المجالات. وتضرب لنا مثالا ونموذجا عمليا لفكرة الترويج الشخصي بمنصة "التيك توك". وتسترسل في شرح الجوانب المختلفة لهذه المنصة، بل وتستطرد إلى رواية قصة نجاح هذا التطبيق ومؤسسه، ليس فقط لأنها قصة ملهمة، بل لأنها قصة تفوق شخص في صنع علامته التجارية المميزة (هدف الكتاب والكاتبة الأصلي). ثم تروي لنا تجربتها هي الشخصية في استغلال التطبيقات الذكية المتوفرة على شبكة الانترنت في الـ personal branding.
فقدان الشغف.. المعارك العديدة التي ستخوضها من أجل التغيير، وستجبرك على الخروج من منطقة راحتك comfort zone. بالإضافة إلي مشكلات العمل والحياة الشخصية... وأيضًا الآثار الضارة والتأثيرات الرديئة للسوشيال ميديا على حياتك النفسية والشخصية والعملية... كل هذه الموضوعات تعد عقبات تعترض طريقك نحو الترويج الشخصي.. وجميعها تناولتها المؤلفة -مشكورة- بالشرح والبيان والتفصيل والنصيحة.
ثم نواصل معها الرحلة، فتخبرنا عن قانون الجذب الفكري، تعرفه وتبينه لنا على أن ما يحققه المرء ما هو إلا نتاج أفكاره... إن كانت أفكاره إيجابية فحصاده حتما سيكون إيجابيًا، والعكس صحيح...
ومن قانون الجذب، إلى الكاريزما... مهاراتها وأسرارها ومفاتيحها ودورها المؤثر في التمييز الشخصي، وتسوق لنا الأمثلة من واقع الحياة: أوبرا وينفري، والرائع أحمد زكي.
ثم جاء فصل -شخصيًا أعده أهم وأفضل فصول الكتاب- قررت فيه المؤلفة أن تكون أكثر تخصصًا واحترافية في مجالات الدعاية والإعلان وصناعة النجوم وشبكة الانترنت والسوشيال ميديا وكل ما يتعلق بها، فتقدم لنا صورة حية سجلت فيها أدق تفاصيل حياة الجيل المعاصر؛ جيل "الميلينيوم" الذي ولد وتربى في العصر الرقمي... والتكنولوجيا تمثل لهم شكل الحياة الراهن وشكلها في المستقبل... حياة استهلاكية من الدرجة الأولى.. حياة تعتمد على ثلاثة عناصر رئيسية: الحركة السريعة، التكنولوجيا (الصوت والصورة)، المواد الاستهلاكية.
وهكذا سنقرأ في الصورة المجسدة لهذه الحياة عن السوق والمهن التي يحتاجها مثل: كتابة وصناعة المحتوي، والتسويق الرقمي، ومحلل البيانات، وأخصائي الطاقات البديلة والمتجددة...إلخ.
وكذلك سنقرأ عن أهم البرامج والتطبيقات الذكية المتوافرة خصيصًا للدعاية الشخصية. فسنقرأ عن برامج التصميم مثل Adobe Photoshop وCorel Draw ..إلخ. ومن التطبيقات الذكية Facebook audience Insights وGoogle Awards و Wyng وغيرهم.
وبعد أن أفرغت المؤلفة ما في جعبتها، وأدركت أن القارئ قد تلقى رسالتها وفهم ما فيها من أفكار وموضوعات، راحت تقدم لنا بعض النماذج الناجحة التي تعرفهم، واللاتي اجتمعن علي مفتاح واحد -كما ذكرت من قبل، وهو مفتاح "التمييز الشخصي".. (التفوق بلغتي).
*****
ما أعجبني في الكتاب من فصول وفقرات كثير جدًا، لكن يضيق المقام عن ذكرها كلها، كما أنني أري مراجعتي للكتاب قد طالت وبلغت مرحلة الملل لدى قارئها، لذلك سأكتفي هنا بفكرة واحدة أعجبتني وأراها متميزة:
كتبت المؤلفة فقرة بعنوان "ورقة وقلم واكتبي ورايا يا ست الكل" أعجبتني العبارة وأخذتها على أنها مزحة طريفة... ثم تكررت العبارة وبالتحديد الورقة والقلم أكثر من مرة.. حتى فطنت مع التكرار أن المؤلفة تدعو القارئ إلي أن تكون "الورقة والقلم والتسجيل والتدوين" لازمة من لوازم حياته اليومية. إن مارس العصف الذهني فعليه بورقة وقلم وتسجيل الأفكار.. إن فكرت في خوض تجربة ما فعليك بقلم وورقة تسجل عليها تفاصيل خطتك وأهدافك، ثم تسجل ما تحقق وما لم يتحقق ولماذا لم يتحقق... وحتى إن قررت يومًا أن تخوض معركة للتغيير من شخص سلبي إلي إيجابي فكذلك عليك بقلم وورقة تدون فيها أفكارك أو صفاتك السلبية في خانة، وتلك الإيجابية التي ترغب في التغير إليها في خانة، ثم تتابع بصفة دورية ما تحقق وما لم يتحقق... أراه فكرة جيدة وجديرة بالتنفيذ.
ثم هناك سلبية واحدة لمستها خلال القراءة، وهي أن الكتاب يفتقر إلى الهوامش.. أنا أعرف جيدًا أن الهوامش تشكل مشكلة لدى المؤلف وأيضًا لدى القارئ، إذ تعترض السياق وتعرقل انطلاق السرد، كما أنها محل شكوى كثير من القراء من حيث تشتت انتباهم وأفكارهم بين النص والهامش... لكنني لاحظت أن هناك كثير من المفردات والمصطلحات وألفاظ مكتوبة بالإنجليزية وكانت تحتاج مزيدا من الشرح والبيان في الهامش.
*****
حقًا تعجز كلماتي عن وصف مدي استمتاعي بهذا المحتوي الرائع.. لذلك لجأت إلي حكم الشاعر العظيم الراحل نزار قباني ليعبر عما في عقلي وقلبي نحو الكتاب ومؤلفته، إذ يقول: " الخطوة الأولى لنجاح أي فتاة: أن تتجاوز فكرة الفارس الذي سيفعل لها ما تريد .. وتفعل ذلك بنفسها". وأشهد للمؤلفة بأنها قد حققت لنفسها وبنفسها ذلك الذي تسميه "التمييز االشخصي" بل وأكثر... فلها مني جزيل الشكر وخالص التحية.