في سيكولوجية الجماعات عند سيجموند فرويد. "أنَّ الدراسات الدقيقة أثبتت أن الفرد منغمس لفترة ما في جماعة فعَّالة، سرعانَ ما يجد نفسه في حالة خاصَّة تُشبه إلى حدٍ كبير حالة الانبهار التي يجد فيها المرء نفسه منوَّم مغناطيسياً تحت سيطرة مُنوِّمه وذلك إمَّا نتيجة للتأثير المغناطيسي الذي تقدمه المجموعة، أو لسبب ما غيرَ معروف.. تحت هذه الحالة تختفي الشخصيَّة الواعية بشكل كامل، تتلاشى الإرادة والتمييز وتتجه كل المشاعر إلى والأفكار نحو ما يُحدّده المُنوِّم.. إذاً.. هذه الحالة التي يمر بها الفرد الذي يشكل جزءًا من جماعة نفسيَّة، حيث يصبح غير واعي لأفعاله، حاله كحالِ المنوَّم مغناطيسياً.
كما ويفقد المرء بعض المَلَكات وتتعاظم مَلَكَات أخرى إلى أقصى حدّ، حتى أنه تحت تأثير الإيحاء العقلي قد يتعهد بإنجاز أمور معينة بقوَّة لا تُقهر. تكون هذه القوة الدافعة غير قابلة للمقاومة، وأقوى من تلك القوة في حالة الفرد المنوَّم مغناطيسياً، وذلك لأنَّ الإيحاء العقلي يكتسب قوَّة هائلة باعتباره مشتركاً متبادلاً بينَ أفراد الجماعة"...
كما يحدث بذات التعريف لدى غوستاف لوبون ويستهل به كتابة للتعريف من منظورة عن "الجماعة النفسيَّة" معتبراً أنَّ الفرد ينصهر في الجماعة.
وتتلاشى الشخصيَّة الشاعرة وتتجَّه أفكار كل واحد من أولئك الأفراد نحو صوب واحد.
وإذا ما تحولوا إلى جماعة، منحتهم هذه الجماعة ضَرباً من الروح الجامعة، وهذه الروح تجعلهم يشعرون ويفكرون ويسيرونَ على وجه يخالف ما يشعر به ويفكر به ويسير عليه كل واحد منهم لو كانَ منفرداَ.
فيشبه ذلك بأن يفقدَ عقله أو كما وصفه «فرويد» بأن يكونَ منوَّماً فيتجه نحو القيام بسلوكيات لم يكن يقدر على ارتكابها لولا تواجده ضمنَ جماعة.
أمَّا الجماعة فلا شيء صادرٌ عنها عن تعقّل أو تأمل.. ففي كل مرة تكون معرضة للغضب والشحن والتعبئة مع انعدام أو تغيب الشكّ والتردد. هذه أبرز سمات الجماعة التي شرحها لوبون.
فأخلاق الجماعات وسماتها هي أخطر من أخلاق الأفراد وأفكارهم؛
- فهم على استعداد للانفعال والتقلب والغضب.
- كما هم أيضاً على استعداد للتلقين والتصديق.
- غلو مشاعر الجماعات. وبساطتها وعدم تسامحها.
كما تصيب العدوى النفسيَّة ما يبلغ السريان بها، ما يسهل على الأفراد أن يُضحي بمصلحته الشخصيَّة في سبيل المصلحة العامَّة.
كما يختتم «لوبون» هذا الفصل بِـ:
«أنَّ الأنسان إذا ما غدا جزءاً من جماعة هَبطَ، إذن، عدَّة درجات في سُلم الحضارة، والإنسانُ وهو منفرد قد يكون شخصاً مثقفاً، والإنسان في الجماعة يكون غريزيَّا، ومن ثم يكون همجيّاً فيتصف بما عند الفطريين من غريزيَّة والعنف والجَلَف كما يتصف بما عندهم من الحمَاسة والبطولة، وهو يشابههم أيضاً بسهولة استهوائه بالصِّيَغ والصور وسَوقِه إلى أعمال ضارة بأوضح مصالحه، والفردُ في الجماعة كذرَّة التراب بينَ ذرات كثيرة تنثرها الريح كما تشتهي»..
.
«والصفات الخاصَّة بالجماعات، كالاندفاع والغضب وفَرط المشاعر والعجز عن التعقل وعدم الحصافة وعدم روح النقد وما إلى ذلك.. مما يمكن أن يُشاهد أيضاً لدى الأفراد الذينَ لم يجاوزوا أدوارَ التطور السفلى كالمتوحش والطفل».
.
o أمَّا فيما يخص أفكار الجماعات؛ حيث الأفراد لا يستثمرونَ الأفكار إلّا بعدَ أن تلبس شكلاً بسيطاً للغاية، وأن تتغيَّر تغيراً تاماً لتصبح شعبيَّة، وتكتسب شرعيَّة حيث يصعب تغييرها أو تحويلها أو تجاوزها وتبقى فيما بعد أفكار غير قابلة للتعديل.
o وإن عجز الجماعات عن التعقل الصحيح ينزع عنها روح النقد، أو الاستعداد للتمييز بين الخطأ والصواب، أو صوغ أي حُكم صحيح.
وتعقلها وتأثرها يأتي من براهين مناقضَة للمنطق في بعض الأحيان، ومن أفكار متشابهة ومتعاقبة في الظاهر.. (كالهمجيّ الذي يخيّل إليه أنَّه سيغدو شجاعاً إذا ما أكل قلب شجاع) أو (العامل المُستغَلّ الذي يعتقد أن كل العمال مُستغَلين من قبل أرباب العمل).
«وتقوم السهولة التي تغدو بها بعض الآراء عامةً، على الخصوص، علَى عَجز معظم الناس على أن يكون لهم آراءٌ خاصَّة قائمة على تَعقّلاتهم الذاتية».
o يتميّز خيال الجماعات التصوري بقوة استعداده للتأثير العميق وعدم الاحتكام إلى العقل، والجماعات التي تغيّب الاحتكام للعقل قادرة على فعل كل شيء..
«الجماعات تكون في حال النَّؤوم الذي يقف عقلُه لحينٍ فتساور نفسه صُورٌ شديدة للغاية فلا تُعتِّم أن تبدد عن التأمل، والجماعاتُ إذ تعجز عن التأمل والتعقل لا تعرف المستحيل».
كما أنَّ أهم ما يؤثر في خيال الجماعات هو النواحي الغريبة والأسطوريَّة وهي أشدّ الأمور تأثيراً فيهم، منا أنهما القوّتان للحضارة الحقيقيتان، فالظاهري في التاريخ له دورٌ أهمّ من الحقيقي على الدوام، والوهمي يتفوّق على الحقيقي في التاريخ على الدوام.
«فالجماعات، إذ لم تَقدر على التفكير بغير الخيالات، لا يؤثَّر فيها بغير الخيالات، فوحدها هي التي ترهبهم أو تغويهم».
كما وتتصنف عقائد الجماعات بما يلازم الشعور الدينيّ من الخضوع الأعمى والتعصب الشديد والإكراه في الدعوة، ويمكن أن يقال جميع المعتقدات ذات صبغة دينية، وعند الجماعات البطل الذي تُصَفق له هو إله حقيقي.
«ولا يكون الإنسان متديناً إلّا إذا عبد إلهاً فقط، بل يصبح متديناً أيضاً عندما يضع جميع منابع نفسه وجميع انقيادات إرادته وجميع إجاجِ تعصبه في خدمة قضية أو موجودٍ غدا غاية المشاعر والأعمال ورائدَها».
فحينَ عَرفوا مؤسسو المعتقدات الدينية أو السياسية ما لهذه المعتقدات ففرضوها على الجماعات من مشاعر التعصب الديني التي يجدُ بها الإنسانُ سعادته في العبادة والتي تُحفِزه إلى التضحية بحياته في سبيل معبوده.
فما إن يتخذ الخيال شكلاً دينياً فيعقبه الخضوع الأعمى والتعصب الشديد والإكراه في الدعوة فمن هُنا «لا تستقرّ المعتقدات السياسية والإلهيَّة والاجتماعيّة بالجماعات إلّا باكتسابها شكلاً دينياً».
.
في الباب الثاني؛ قسم لوبون العوامل التي تؤثر على الجماعات إلى قسمين:
- العوامل البعيدة
- العوامل القريبة
فالعوامل البعيدة: هي التي تجعل الجماعاتِ قادرةً على اتخاذ بعض المعتقدات وغير مستعدة لتقبّل معتقدات أخرى، وهذه العوامل تهيئ البقعة التي تُنبت أفكار جديدة بغتةً. ومما يفاجئ أن بعض الأفكار أحياناً تنفجر لدى الجماعات ويعملون بها، مع أنه في الغالب ليس إلّا نتيجة سطحية لعمل سابق طويل يجب أن يُبحث عنه.
وبينها وفي صميم جميع الآراء ومعتقداتها؛ العِرق، والتقاليد، والزمن، والنظم، والتربية.
أما العوامل القريبة: هي التي تؤثر تأثيراً مباشراً في روح الجماعات، والتي يمكن سردها بالآتي:
الصور والألفاظ والصيغ: فالجماعات تتأثر بالصور على الخصوص، وسلطان الألفاظ مرتبطٌ في الصور التي يثيرها.
الأوهام: ولولا الأوهام ما استطاعَ الإنسانُ أن يخرج من الهمجيَّة الأولى، ولولا الأوهام لعادَ الإنسان إلى الهمجية من فوره.
"أجل، إنَّ الضلال، لا الحقيقة هو أعظم عامل في تطور الأمم".
التجربة: "هي الوسيلة الفعّالة الوحيدة تقريباً لتقرير حقيقة في روح الجماعات وللقضاء على ما غدا خطراً من الأوهام".
العقل: لا يتم التأثير في الجماعات بالمعقولات لكن يتم على الدوام مخاطبة مشاعرها.
"لم تتَولد بالعقل، بل خلافاً للعقل في الغالب، مشاعرُ كالشرف وإنكار الذات والإيمان الدينيّ، وحب المجد والوطن، تلك المشاعر التي ظلَّت أعظم محرك لجميع الحضارات".
وإلى جانب العوامل هناك احتياج غريزي للجماعة إلى قائد تطيعه، فهؤلاء الزعماء هم القادرون وحدهم على إيجاد إيمان وعلى وضع النظام للجماعات.
أما في الباب الثالث والأخير، يقسم لوبون الجماعات إلى أنواع:
- الجماعات المتباينة: الجماعات المُغفلة، وتسيطر روح العِرق على روح الجماعة في الغالب، وهو الركن المتين الذي يحدد تقلبات الجماعة.
- الجماعات المتجانسة: تشمل على الفِرق والطوائف والطبقات.
- الجماعات الجارمة: تنشأ جرائم الجماعات على العموم على تلقين قوي، ويعتقد الأفراد الذين اشتركوا في اقترافها أنهم قاموا بواجب. فتكون جارمة قانونياً لا شعورياً، فتتميز بسرعة التأثر والتصديق والتطرف بالمشاعر.
في الأخير فالكتاب فصَّل الجماعات بأنواعها، وكيفية تكوينها وتأثيرها ومن يؤثر فيها. ومميزات كل جماعة وخصوصيتها.
استطاع لوبون أن يفسر لنا الغموض الذي يكترث تصرفات الجماعات، وتطرفها. والسمات الخاصَّة بأفكارها.