"كان البديع يتذوق الخمر بين أبيات الشعر ويعرف النساء على صفحات الكتب…المرأة عنده كانت صفحة في طوق الحمامة، والخمر بيتًا من شعر أبي نوّاس…أما اليوم فقد طارت الحمامة، وجاء أبو نواس يخمّر التّمر ليصنع العَرَقي." - حكاية أم درمانية للسوداني حمور زيادة 🇸🇩
أحب أدب حمور زيادة الذي تعلقت به منذ قرأت "الغرق" ثم "الكونج" وصولًا إلى "شوق الدرويش". لم يأت حمور بجديد في فنيات السرد أو تقنيات الرواية، إلا أنه احتفظ بإحدى أهم سمات الأدب الجاد، وهي الصّدق الذي يمس وجدان القارئ ويمكّنه من الولوج دون عناء إلى العوالم التي يرسمها، فيتنسم هواءها ويصغى إلى وشيشها.
وفي هذا العمل، يختزل حمّور العالم في مدينة أم درمان السودانية ذات التاريخ الغرائبي، فتصير المدينة هي المحور الذي تدور حوله الأحداث وتتداعى من خلاله الذكريات ويشف في حضرته الخط بين المألوف والموصوف بالمعجزة. يستحضر المؤلف في هذا العمل شخوص ووقائع تخلط الخاص بالعام والشخصي بالمجتمعي، فكأنما العمل بأكمله سيرة ذاتية للمدينة بلسان أحد الحكواتية المريدين.
يزخر العمل بقصص الأولياء والصالحين، من صدق منهم ومن ادّعى، فمنهم من يردع فيضان النيل (أصداء من قصة ساعي البحر في مصر القديمة؟) ومنهم من تُطوى له المسافات، بينما في ذات المدينة يتخبط الشباب في حلبات التيارات السياسية ويذوب في كأس التفتح الجنسي بما ينطوي عليه نداء الشبق من زيارات للبغايا ولواط بالمردان. لا يدّخر حمور شيئًا من التفاصيل، ولا يبخل بحرف واحد من الشغف.
#Camel_bookreviews