اختيار صورة الغلاف كان موفق و أفضل تفسير لعنوان الكتب لأني كقارئ محب للتاريخ أول ما رأيت تلك الصورة تذكرت صاحبها الأمير محمد على توفيق صاحب القصر الكائن في المنيل و قد زرته أكثر من مرة و هو من القصور التي شهدت كثير من مظاهر العصر الحديث و يدل على التكلفة الكبيرة التى صرفت عليه و أدعو عشاق التاريخ و الفن المعماري لزيارته أبدع كالعادة الصواف في تصميمه
الكاتب سبق و أن قرأت له عروش تتهاوى و ذاكرة النخبة و كانت تجربة دفعتني بعد ذلك أن اقتني كل أعماله لأنه استطاع أن يبني الثقة بينه و بين القارئ فكتابة التاريخ بذلك الأسلوب ليست هينة
لم يصبه العرش كتاب مهم جداً في تاريخ الأسرة العلوية يضاف إلى المكتبة العربية كمرجع مبسط لمن أراد البحث في تلك الفترة تلمس فيه جهد مضني من البحث و التنقيب و التوثيق حتي يخرج بهذا الشكل.
أنصح قبل قراءة هذا الكتاب بالعودة إلى قراءة كتاب عروش تتهاوى لأنه يعتبر جزء أول له و حتى تكتمل متعتك بالحديث عن الأسرة العلوية من البداية حتى النهاية .
يتحدث الكاتب عن الأمراء ولاة العهد الذين اقتربوا من العرش و لكن لم يصلوا إليه نتيجة لظروف عدة لا يخلوا منها المرض و الموت و لكن الدسائس لها دور كبير في صراع العرش و رغم صراعهم في الدنيا فقد جمع أجسادهم البالية مكان واحد مقابر الأسرة العلوية بمسجد الرفاعي و قبة الباشا و قد سبق لى أن زورت تلك المقابر التي بنيت كتحفة معمارية و لكن أصابها الإهمال و هدم بعضها
بدأ الكتاب بالحديث عن الأمير أحمد طوسون الابن الثاني لمحمد باشا للقضاء على الوهابية و تصادف خروج موكب الأمير وقوع مذبحة القلعة التي دائماً يأتي ذكرها في كتب التاريخ المدرسية كحدث تاريخي و ليست جريمة إنسانية كان لابد أن يعاقب عليها محمد علي و لا تسقط بالتقادم
و لكن جرت لمحمد على أحداث كثيرة كانت بمثابة انتقام الرب منه فقد رافقته لعنات تلك المذبحة بانعزال زوجته عنه لعدم رضاها عن فعله و وفاة أكثر من ابن له في حياته منهم من مات محروقاً و من فتكت به الأمراض ليتجرع محمد على آلام ما فعله .
لقد أبدع الكاتب في وصفه لإحداث المذبحة بكل تفاصيلها فجاء وصفه كمشهد تصويري كأنك معايش لاحداثها ربما المرة الأولى أن أقرأ عن المذبحة بهذا الشكل .
قبل الحديث عن كل أمير أعد الكاتب ترجمة له لتتعرف على كل شخصية قبل الدخول في تفاصيلها و كيف انتهي به الحال
بعد أن تنتهي من التعرف على كل شخصية و صفاتها و تقارن بينها و بين من وصل إلى العرش بدلاً منها يتبادر لذهني سؤال : هل بتغير الأشخاص يتغير التاريخ ؟
هناك أحمد طوسون تميز بالكرم عن والده و حسن التصرف و عند دخوله المدينة المنورة لم يعبث أحد بمقدساتها الدينية و كذلك كمال حسين الذي رفض العرش و اهتم بالعلم و اسماعيل الدموي
ما أثار انتباهي هو قيادة إمرأة التي قادت الوهابيين فهزموا الجيش المصري تحت قيادتها و كانت تدعي غالية و كبدتهم هزائم متكررة حتى جاءه الدعم و انتصر عليها فيما بعد .
الغريب في رجال السياسة بعد أن ينتهوا من المذابح و القتل يذهبوا إلى مكة لقضاء فريضة الحج ليغسل يديه من الدماء و لكن يظل قلبه أسود لا يتطهر أبداً و هذا ما فعله محمد علي عند دخوله مكة و تأدية الفريضة .
اسماعيل كامل باشا الذي تعامل بغطرسة مع السودانيين حتى لقى مصير محتوم و هو الذي كان يستجدي والده أن يسمح له بالعودة نتيجة المتاعب التى واجهها و لكن طمع الباشا الكبير في العبيد و الذهب هو ما دفع إلى خسارة إبنه فجشع السلطة جعل محمد على عبدا للعرش
من العجيب أن تقرأ رسالة محمد على لابنه اسماعيل رداً على قسوة إسماعيل مع أهل السودان الذي تلبسه هو وجنوده الشيطان فقتل و أسر الكثير و لكن حكمة محمد علي في الحكم و السياسة نصحه بالعدل ليس من أجل العدل و الرحمة بهم و لكن من أجل أن يصل إلى هدفه فالعدل هنا وسيلة لا غاية
من المعلومات الشيقة هو سبب تسمية مدينة أم درمان نسبة لامرأة كانت تسكنها بنفس الإسم ثم أطلق على منطقة أخري الخرطوم لتصبح عاصمة السودان فيما بعد .
كثير من خير هذة البلد قد ضاع تحت أقدام رجال القصر العثماني من أجل الحفاظ على العرش و توريثه فقد دفعت الأسرة العلوية الكثير من الأموال من أجل المكائد و الدسائس و صراع العرش و لكن لم ينجح ذلك في كل مرة.
من أهم سير الأمراء كمال الدين حسين الذي رفض حكم مصر دون أن يعلن الأسباب و لكنه كان مهتماً بالرحلات الكشفية و الجغرافية في صحراء مصر و يقال إنه كان في علاقة غرام مع سيدة فرنسية ادعت أنها زوجته و ما يؤكد ذلك رسائل الغرام التي وجدت بعد ذلك
و هو شخصية تستحق الدراسة و الحديث عنه كثيراً لأنه شخصية فريدة برفضه العرش و فضل عليه ممارسة هوايته و علمه و رأي أنه بذلك في موضع أفضل لخدمة بلاده
و ختم بالأمير محمد علي توفيق صاحب صورة الغلاف الذي لهث وراء العرش و لكنه لم يصبه رغم اقترابه الشديد أكثر من مرة
ختم الكاتب حديثه بذكر سيرة ذاتية سريعة للأمراء الذين أصابهم العرش و كيف تغير التاريخ على يديهم فمنهم من كانت له بصمة في بناء الوطن و منهم من كان سبباً في ضياعها و إفلاس خزانتها
و لك أيها القارئ أن تتخيل من كان أفضل في تولي الحكم و من كنت تتمنى أن تجنبه العرش .
و لكن يجب أن نعلم أن بريطانيا كانت مثل الوباء في الجسد لا تتركه حتي تقضي عليه فكانت لها اليد العليا في تعيين أي حاكم سواء بصورة غير مباشرة قبل إعلان الحماية أو بعدها
فالشعب ليست له الكلمة الأخيرة كما يسوق لنا أن الشعب صاحب القرار.
كعادة الكاتب فقد ذيل الكتاب بعدة وثائق مهمة عن تلك الأحداث و ذكر كل المراجع التي استند عليها لمن أراد المزيد
في النهاية هناك كلام كثير عن الكتاب لا يسعني ذكره و أشكر الكاتب على روعة أسلوبه و سرده الذي جعلني أعيش تلك الفترة الزمنية و في انتظار الجديد.
#ريفيو_على_أدى
#ماجد_شعير