و غايتنا من هذا الكتاب أن نستل من كتب المؤرخين المسلمين القدامى منهم و المحدثين و من تحليلات هؤلاء المؤرخين صور هذا الوجه الآخر لخلافات القهر. الوجه القبيح. و نضعها بين أيدي القارئين عامة. و الداعين إلى عودة النظام الخلافي خاصة. في العالم العربي و العالم الإسلامي. و أحسبهم سيكتشفون أن نظام الخلافة لا ينبغي للمسلمين أن يعودوا إليه مرة أخرى. فهو نظام فرضته العصور الوسطى. و كان طبيعيا أن يوجد في تلك العصور.
و الخلاف بين هذه الفرق الكبرى في التاريخ الإسلامي يكمن في أن كل فرقة تريد الإمامة. أي الخلافة لنفسها. و على طريقتها الاعتقادية هي دون سواها. و بشروطها هي لا بشروط غيرها. و هو خلاف يسقط فكرة الخلافة نفسها بعد الخلفاء الراشدين.
لقد فقدت البيعة معناها في عصور خلفاء القهر جميعا لأنها صارت منذ العهد الأموي وراثية. يجبر فيها الناس على البيعة و الطاعة. و البيعة من أهل الحل و العقد أولا. من الفقهاء و الأعيان. ثم من سائر الناس.
و الشورى أيضا فقدت في خلافات القهر معناها. فلكي تكون ثمة شورى في أمور الحكم كلها فلابد أن يكون الاختيار للخليفة الحاكم شوريا. أي اختياريا. فلا يمكن أن يجتمع معا أن الخلافة شورية و وراثية. فالوراثة و حد السيف نقيضان للشورى و الاختيار الحر.
أما العدالة فقد فقدت أيضا معناها في خلافات القهر. فالعدالة تفرض على الحاكم عدة صور منها: أن يكون هو عادلا في ذاته. لا يؤثر قرابة و لا يقدم لأحد هوى و لا محبة. و لا يؤخر أحد لبغضه له. و أن يولي الأمور لأهل العدالة. و الرفق بالرعية. و أن يعامل الأعداء بالعدل. فالعدالة تعم و لا تخص. و أن يطبق العدل على الجميع. أغنياء و فقراء. و أقوياء و ضعفاء. ولاة و غير ولاة.