اقتباسات من كتاب اسمي جلال السعيد وتلك حكايتي ...

الدكتور إبراهيم بدران، وهو الأب الأخير في رحلة الحياة، قابلني وكان نائب رئيس جامعة القاهرة، طلب مني أن أقدم دراسة له بمشروع بحثي متطور ليخاطب السلطات العلمية في أمريكا ليحصل لي على منحة. واتتني فكرة البحث في موضوع أجهزة الموجات فوق الصوتية للقلب أو المعروف بالإيكو ولم يكن الجهاز معروفًا في مصر بعد..

أحمد الله دومًا أنني عشت تلك اللحظات في مصر، لقد عشت أيامًا لا تنسى من تاريخ مصر الحديث، شعرت وقتها مع باقي الناس بشعور الخلاص؛ الخلاص من جرم لم نرتكبه، التطهر من خطيئة لم نقترفها، لكننا مجملًا شعرنا بالسعادة والفرح بعد سنوات من الانكسار والإذلال...

في يوم من أيام شهر يوليوعام 1973، حيث لا جديد يذكر ولا قديم يعاد في بر مصر، هبطت طائرتي في مطار القاهرة..

‫ عدت برفقة عبلة والأولاد إلى مصر..

‫ اختبرت لحظتها مشاعر عجيبة متداخلة، لا تقوى الكلمات على وصفها..

استقراري في أمريكا وتحولي لمواطن أمريكي يحمل الجنسية وإن كان سيكسبني بعدًا علميًّا وماديًّا لا يخطر على بال، فإنه سيكلفني أشياء في عمق حياتي ما كنت قادرًا على تحمل أو دفع كلفتها.

بين استكمال الحلم العظيم في أمريكا التي تشهد أمراض القلب بها طفرة كبرى في العلاج وبين العودة إلى مصر التي تمارس نوعًا بدائيًّا جدًّا وقتها في تخصص أمراض القلب. ‫ كانت المقارنة العلمية صعبة بالنسبة لي. ‫ ولكن كان الاختيار سهلًا ، اخترت مصر.

تجد اسمي موجودًا على الكثير من الأوراق البحثية المؤثرة خاصة في اختلال ضربات القلب بعد عملية شهيرة اسمها «ماسترد» على اسم مخترعها تستخدم لمعالجة عيب خلقي معقد في قلوب الأطفال. ‫ وقد قام السير مجدي يعقوب بتعديل تلك الجراحة بناء على ما ذكرته في ورقتي البحثية.

ذات يوم سألني دنتون كولي: أين تعلمت يا جلال؟ أجبته بأنني نلت تعليمي بأكمله في مصر، نظر نحوي في دهشة كبيرة، ثم قال لي بوجه يبتسم: أنت تكذب يا جلال، هذا تعليم إنجلترا..

تعلمت من العمل معه أمراض القلب في الأطفال، كنا نناقش مع الدكتور ماكنامارا أشد أنواع الحالات تعقيدًا ونصل لتشخيص نناقشه مع البروفيسور دنتون كولي ونرسم التفاصيل الدقيقة للجراحة المطلوبة معه؛ لذلك صرت مع الوقت متعمقًا وخبيرًا في أشد أمراض قلب الأطفال صعوبة

ما ألطف تفاصيل الرحلة!!

‫ أتذكر مقابلتي السابقة مع الدكتور سامح همام أستاذ جراحة الأوعية الدموية الأشهر الذي أدخل التخصص إلى مصر.

كانت الممرضة السمراء سيسيل ترشدني دومًا لكل شيء طيب في القسطرة، ولطالما كانت إرشاداتها ونصائحها تسهل لي دربي، خاصة في بدايات الرحلة، كانت تقول ضاحكة: أنا زوجة جلال الثانية. فنضحك جميعًا..

‫ لكن في غياب عبلة والأطفال كان شيء ينقصني دومًا

لا شيء يضيع؛ لا بر، ولا مساعدة للناس تضيع، وأن الله يرد إليك الخير الذي قدمته للناس في الوقت الذي يناسبك ومن حيث لا تدري. ‫ كنت قد شرحت منهج الطب الباطني لطلاب البكالوريوس مساعدة بلا أجر.

الدكتور مولينز. ‫ ويلقبونه في أمريكا بوحش القسطرة. ‫ كان من علمني وأطلق يديَّ في قسطرة قلب الأطفال وقتها. ‫ تعلمت منه مساعدة الآخرين خاصة الأصغر سنًّا. ‫ أتذكر جيدًا موقفًا مؤثرًا حدث معه وانطبع على علاقاتي ونهجي مع الناس ما تبقى من حياتي.

أرسلت الأوراق لجامعة بايلور، فأرسلوا لي الفيزا. ‫ وهكذا وجدت نفسي وعبر سلسلة من الطائرات أهبط بقدميَّ أرض الولايات المتحدة في يوم غائم تشوبه برودة لم أعتدها، وكان ذلك في عام 1969 لأقابل البروفيسور ماكنامارا في صباح اليوم التالي. ‫

الدكتور محمد إبراهيم مؤسس قسم أمراض القلب في كلية طب قصر العيني، وجدناه دومًا رجلًا بشوشًا، يساعد الجميع، تعلمنا منه فن الإدارة، وكيف أن أول الطريق لإدارة ناجحة ومؤسسة هادئة تسير في طريق التفوق بثقة ألا تستأثر لنفسك كمدير للمكان .

ماكنامارا، كان من المشاهير في العالم، طلب مني أن يقيِّم مستواي الطبي في لقاء قبل قبولي للالتحاق بالقسم عنده، كان المكان المتاح للاختبار هو إسرائيل، لك أن تتخيل؛ طبيب مصري يسافر لإسرائيل في الستينيات أيام حرب الاستنزاف ليجري مقابلة طبية لتقييمه.

فاتحت الدكتور علي سرور في الأمر، نحن متأخرون عن أوروبا وأمريكا كثيرًا فيما يتعلق بعلم القسطرة الذي كان يتطور في تلك الأثناء يومًا بعد يوم..

وجود الدكتور عبد العزيز الشريف خفف عني رهبة البدايات، وذلل لي طرقًا طويلة بمسارات أكثر سهولة ‫ كنت مجتهدًا دومًا، أدركت وقتها أي ميزة غرسها أبي وأنماها صلاح أخي في روحي، أن تكون كائنًا منزليًّا، تعودنا من صغرنا على الالتزام بالمنزل.

أحببت صلاح دومًا، كان مثلًا أعلى في الحياة، لم يكن صلاح أخي الأكبر، كان أبي. ‫ واستكملت الأقدار طريقها معي، هناك شيء عجيب يدفعني دفعًا في طريقي المرسوم مهما حاولت التملص أو المكابرة، سلسلة من الأقدار يسلم بعضها بعضًا. ‫

‎''Nothing in the world can take the place of persistence, wishing will not, talent will not, genius will not, persistence is like a genie that creates a magical force in your life''

Calvin Coolidge

‏

‎''Nothing in the world can take the place of persistence, wishing will not, talent will not, genius will not, persistence is like a genie that creates a magical force in your life'' ‎