ريفيو كتاب سبع خواجات للكاتب مصطفى عبيد
صادر عن الدار المصرية اللبنانية
يبدأ الكتاب بمقدمة تناسبت مع محتواه بشدة وعبرت عنه في سطور قليلة
"❞ ليس أصعب من النسيان طمس المعالم ومحو الخطوات وتغييم الأحداث سمة لصيقة بتاريخنا الحديث كُلما حلَّ عهدٌ ازدرى سابقه، وإذا تغيرت سُلطة لعنت ما قبلها حتى تناسى الناس هِمَمًا عظيمة، وتجاهل المُجتمع أفذاذًا بارزين صنعوا أمجادًا وعظائم، وكانوا سلالم أولية لمصر الحديثة في الصعود إلى المدنية والحداثة والتقدم. ❝
تناول الكتاب سير رواد صناعة أجانب عن مصر همشت سيرتهم وكانت المصادر التاريخية عنهم شحيحة جدا بدعوى أن كل أجنبي هو شيطان ومستعمر، هؤلاء الأجانب رأوا في مصر السوق المثالي لإقامة مشاريعهم واحتضان أفكارهم حتى أحبوا البلد ووقفوا إلى جانبها في المحن وأنشأوا مؤسسات تعني بمصالح البلد مثل اتحاد الصناعات المصرية ومؤسسة إسعاف بدعم اليوناني كوتسيكا ومستشفاه
ومنهم من صار مصرياً خالصاً حتى تحدث المصرية العامية بطلاقة، ومنهم من أسلم وغير اسمه كالرحالة السويسري جون لودد بروكهاردت. ومنهم رغب بالعيش في مصر والدفن فيها رغم اضطهاد الأجانب ورهابهم الذي انتشر قبيل ثورة ١٩٥٢.
منهم من كان الرائد الأول لمجال صناعته وأول من بدأ تلك الصناعة حسب ما تناولت الدراسات والبحوث مثل أرنست ترامبلي السويسري الذي أدار أول مصنع أسمنت في مصر وكوتسيكا اليوناني «إمبراطور السبرتو» والذي وجد في الكحول طلب متزايد فأنشأ مصنعه والكونت دي زغيب من الشوام «صانع المربى الأول والشربات»
كما تناول أيضاً سير رواد صناعة طوروا منها مثل هنري نوس البلجيكي «مؤسس اتحاد الصناعات المصرية ومدير شركة السكر» وسورناجا الإيطالي «صاحب فكرة إنشاء جمعية الصناعات المصرية وأصبح وكيلاً لها ورائد صناعة البناء والخزف وذكاءه في التسويق لمنتجاته الخزفية والقيشاني في المعارض الصناعية » ولينوس جاش السويسري «المطور الأكبر لصناعات الغزل والنسيج وحكنته في الإدارة» وماتوسيان الأرمن «الدخاخني الأكبر ونسبه بابن عائلة روتشيلد الشهيرة بالثراء».
الكاتب أجاب عن كل الاسئلة التي يمكن أن تخطر ببالك عن كل رائد مثل الديانة وهل سببت له مشكلة أم لا؟ وهل له علاقات سياسية مع رجال الدولة؟ وتحدث عن الديانة اليهودية وعن بعض اليهود الذين عاشوا في مصر كما ذكرها في كتابه "ضد التاريخ"، تحدث عن فكرة الصناعة هل كان الرائد فلان هو أول بادئها أم هناك من سبقه؟، الجاليات أيضاً وعددهم ونسبتهم وموقفها السياسي في مصر وأبرز الصناعات والتجارة التي عملوا بها أبناء كل جالية وأبرز رواد كل جالية، تحدث أيضاً عن مرجع تاريخي خاطئ ذكر فيه معلومات خاطئة عن الرائد، وقت الأزمات ووقت تأميم الشركات ماذا حدث للرائد؟.....إلخ
مع الاسئلة التي طرحها وأجاب عنها، نجد أيضاً في أخر كل سيرة تعقيبه عليها والدروس المستفادة منها.
الكاتب اجتهد وبذل جهداً واضحاً واستشهد بمصادر تاريخية متنوعة ومنها نادر بل استطاع التواصل مع حفيد أحد الرواد بالبريد الإلكتروني واستشهد بالبحوث والكتب التراثية أو الحديثة منها والدوريات والمجلات وما إلى ذلك وأكثر ما أعجبني المزيج الرائع بمزج التاريخ بالأدب واستشهاد الكاتب بمصادر أدبية بحيث لو أحببت مطالعة شيء أدبي له علاقة بما ذكر في الكتاب لكتاب أدب مثل نجيب محفوظ وروايتيه بين القصرين وزقاق المدق وعمر طاهر وكتابه صنايعية مصر وغادة العبسي وروايتها كوتسيكا وسعيد الكفراوي ومجموعته القصصية يا قلب مين يشتريك ولم يتناسى المذكرات كإسماعيل صدقي ونجيب الريحاني.
بمناسبة صناعة السكر تم إنشاء كلية تكنولوجيا صناعة السكر والصناعات التكاملية بأسيوط منذ سنوات قريبة جداً لا أذكر متى بالضبط، واعتقد أن سيرة هنري نوس مهمة لطلاب تلك المؤسسة.
من المثير للدهشة أيضاً أنني في صغري لم أكن من محبي التاريخ إطلاقاً وتقريباً معلوماتي التاريخية الحالية من قراءاتي الحالية في التاريخ، ببساطة كنا في ترم واحد ندرس التاريخ المصري القديم على الحملة الفرنسية على الاحتلال البريطاني على أسرة محمد على عهد عبدالناصر، أقصد أن كل عنوان من دول انكتب فيه لوحده الآلاف الكتب، ينبغى دراسة كل عنوان على حدى في كتاب دراسي وحده طول الترم، فأنا لم أتذكر من كشري التاريخ هذا سوى القليل، ببساطة كانت الدراسة عبارة عن هوامش وعناوين وأسباب كذا ونتائج كذا، لم نتعمق في الدراسة لنبني معلومات تاريخية حقيقية.
الكاتب وهذا بعتبره من النجاح أنه حقيقياً أثار لدي البحث والتعقب في منشأت البلد عندي واستمتعت كثيراً بالحقبة التاريخية التي تجولت فيها بين صفحات الكتاب.