بالحكاية والطبخ تمكَّن البشر من استئناس بعضهم بعضًا، وصارت لدينا مجتمعات بشرية ولم يزل الطعام حاضرًا في الاحتفالات الاجتماعية الدينية وهو أكثر رسوخًا مما نتصور؛ فالمصريون والفرس وغيرهم من الشعوب القديمة غيَّروا دياناتهم، لكنهم لا يزالون يحتفلون بالطعام الذي كانوا يتناولونه في أعياد دياناتهم البائدة حتى الشعوب الأكثر حداثة صارت لها تقاليدها الأمريكيون، من يعرف منهم طريق الكنيسة ومن لا يعرفه، لا يتخلفون عن اجتماع العائلة حول الديك الرومي في عيد الشكر
وسيظل وقت الطبخ وتناول الطعام وقتًا للحكاية، وسيظلان معًا أهم مقوِّمات التماسك الاجتماعي لدى أية جماعة بشرية، والعكس بالعكس؛ فقد جاء الساندويتش ومطاعم الوجبات السريعة تفسيرًا مطبخيًّا لمعنى الفردية، وتظل المواجهة بين المائدة والساندويتش تعبيرًا عن الصراع بين القديم والجديد؛ بين التمسك بالتقاليد والانعتاق منها.
الطاهي يقتل والكاتب ينتحر
نبذة عن الكتاب
لا تكفي المهارة وحدها لكتابة رواية أو طهو طبق جيد، لابد من النار؛ ولو لهب شمعة في قلب الكاتب والطاهي. في هذا الكتاب يضع عزت القمحاوي شغفه بالكتابة والطهو. يعتقد أنهما توأم، وكانا في البدء عملًا أنثويًّا، لهذا يظل الكاتب الرجل بحاجة إلى تأنيث روحه؛ إلى تعلم التواضع والصبر والحيلة عبر الطبخ. يتأمل القمحاوي مهارات البناء في الطبق والكتاب، ويقارن نتائج «العجن واللت» في المخبوز والمكتوب. ويحاول كشف الغش الذي يمارسه بعض الكُتَّاب والطهاة بتصعيد الدسم والملح والحار. ويحتفي بأعمال المهرة من الأدباء: نجيب محفوظ، مارسيل پروست وبورخيس. ومن الطهاة: إميريل لاجاسي، جيمي أوليفر، ونادية حسين. ويعود دائمًا إلى مطبخ العظمة «ألف ليلة وليلة».عن الطبعة
- نشر سنة 2023
- 272 صفحة
- [ردمك 13] 9789777953986
- الدار المصرية اللبنانية
تحميل وقراءة الكتاب على تطبيق أبجد
تحميل الكتاباقتباسات من كتاب الطاهي يقتل والكاتب ينتحر
مشاركة من إبراهيم عادل
كل الاقتباساتمراجعات
كن أول من يراجع الكتاب
-
Mohamed Khaled Sharif
يدعوك "عزت القمحاوي" في كتابه الأحدث "الطاهي يقتل الكاتب ينتحر" إلى مائدته، لنتناول وجبة دسمة ولا تسبب تُخمة في نفس الوقت، ولأول مرة ستكون الوجبة شاملة للمعدة، وللعقل أيضاً. يتحدث بذكاء وبملاحظات شديدة الخصوصية عن الرابط بين الطعام والكتابة، وما هي أوجه الشبه بينهما، وتأثير كلاً منهما على الإنسان بشكل عام، فغالباً ما يبدأ الفصل بحكاية عن الطعام ثم يستمر السرد ليرتبط بحكاية عن الرواية والأدب، والعكس، فتتعجب من شدة ذكاء الكاتب في الربط بين المواضيع، ومن القدرة التي يطبخ به الكاتب حكاياته، وإمتلاكه لكل مكونات الحكي، وذاكرته الأدبية الواسعة، والدقيقة، والتي تشمل أعمال قديمة وحديثة، لكتاب عرب كنجيب محفوظ وأجانب كمارسيل بروست، ومن الواضح والجلي التأثر الشديد بحكايات ألف ليلة وليلة التي كانت الطبق الرئيسي للكتاب، كان الكاتب يغرف منها بلا كلل، ومهما التهمت منها لن تشعر بتخمة الشبع، ستظل دائماً جائعاً وعطشاناً للمزيد من الحكايات الغريبة والعجيبة، لتسأل نفسك سؤالاً بديهياً: لماذا لم أقرأ ألف ليلة وليلة حتى الآن؟ وستجد لنفسك تعليلات كثيرة مثل أن الطبعات مختلفة ومنها الزائد ومنها الناقص والمختلف، ولكن كل تلك الحجج لن تصمد كثيراً بتوالي الحكايات التي يسردها الكاتب.
وفي أثناء جلوسك لهذه المائدة العامرة بالأطعمة والحكايات توازياً، وكاتب يُجيد تسوية موضوعاته، وطبخها على نار هادئة أو عالية حسب الحاجة، ستجد بعض المواضيع التي تجعلك في حاجة إلى ماء لكي تبلع بعض الأطعمة/ الحكايات، التي ستسبب غصة في حلقك، مثل نقد أعمال هاروكي موراكامي وزافون ودان براون وباولو كويلو وتشبيهها بأعمال الأطعمة السريعة الحديثة لأنها -في رأي الكاتب- فقط تسد رمق الجوع للقارئ ولكنها لا تُفيده ولا تغذيه، فحينها ستشعر أن كوباً واحداً من الماء لا يكفي وتحتاج إلى لترات من الماء، ثم تحمد الله أنه كان فصلاً واحداُ من يتحدث عن ذلك، وفي نفس الوقت تشعر بتقدير لأن الكاتب لا يُحابي ولا يُزيف آراءه، ثم ننهي هذه الوجبة بسرعة، في انتظار وجبة أخرى بعيدة تماماً عن ما يُسبب أي غصة.
ختاماً..
هذا العمل السادس الذي أقرأه لـ"عزت القمحاوي" بين الرواية والمقالات والرسائل والكتب التي بلا ضفاف أدبي يجمعها، وأثنيت مراراً وتكراراً على ملكة الحكي التي يحظى بها، وسرده الجميل والهادئ، وفي هذا الكتاب تشعر أنك بدعوة لتأكل معه وجبات متتالية بلا شبع، وحكايات تروي ظمأك ونهمك، وبكل تأكيد كتاب بعد آخر يزيد مقداره لدي كأحد كُتابي المُفضلين.
-
ماجد رمضان
اسم الكتاب: الطاهي يقتل الكاتب ينتحر.
اسم الكاتب: عزت القمحاوي ـــ روائي وصحفي مصري.
تاريخ النشر: 25/07/2023.
الناشر: الدار المصرية اللبنانية.
عدد الصفحات: 270صفحة.
نوع الكتاب: دراسات أدبية نقدية.
هذا الكتاب يطرح الكاتب فيه رؤيته عن الكتابة الجيدة، ويشير فيه على وجود علاقة أصيلة بين مهارات الطعام والكتابة، وسعى للتأكيد والتدليل عليها من خلال عشرات النصوص.
ومن العنوان قد نعتقد أننا أمام عمل خفيف يخاطب القارئ البسيط الباحث عن حكايات أشهر الطهاة والأكلات وعادات الشعوب وتقاليدها الغريبة، رابطًا ذلك بحكايات الكُتاب وقصصهم عن الطعام، لكن ما إن نقرأ مقالات الكتاب التي تصل إلى 26 مقالًا حتى نكتشف أننا أمام حالة من النقد الثقافي المبدع.
ونعرف سر العنوان، فالكاتب يقتل نفسه في نصه، أما الطاهي فيقتل النباتات والحيوانات والطيور التي يستخدمها عناصر في وجبته.
ويوضح الكاتب شغفه بالكتابة والطهو. وأنهما توأمان، وكانا في البدء عملًا أنثويًّا، لهذا يظل الكاتب الرجل في حاجة إلى تأنيث روحه؛ وإلى تعلم التواضع والصبر والحيلة عبر الطبخ. ثم يتأمل مهارات البناء في الطبق والكتاب، ويقارن نتائج "العجن واللت" في المخبوز والمكتوب. ويحاول كشف الغش الذي يمارسه بعض الكُتَّاب والطهاة بتصعيد الدسم والملح والحار.
ويحتفي الكاتب بقيمة حرية الفكر والمشاعر، واحترام الحواس. وكذلك بأعمال المهرة من الأدباء، ويعود دائمًا إلى مطبخ العظمة "ألف ليلة وليلة".
وعبر المقابلة بين الطبخ والكتابة، يحدد عددًا من العناصر المهمة التي قد تحتاجها أي طبخة جيدة، سواء في الكتابة أو الطعام؛ أولها «الانسجام» الذي يعتمد على التوازن والتكامل والحركة التي تعتمد في الطعام الانتقال من المذاق المالح إلى الحامض، أو من عديم الطعم إلى الحلو أو الحار، فموضوعات الفن لا تزيد على 37 موضوعًا بحسب النقاد، لكن معالجتها تختلف من كاتب لآخر بحسب خبرته والبهارات التي يضيفها والنار التي يستخدمها.
وعلى الرغم من أهمية الروح في تكوين العمل الروائي، فإنه يتوقف أمام ما أسماه «بحكمة الشكل» الذي يرى أنه يمنح الرواية جوهرها. لكن يجب ألّا يطغى على المضمون
ويبدي في وصفته الروائية عناية خاصة بـ«حسن المطالع»، ويؤكد على أن إحدى المهارات المهمة لدى الطاهي هي ترتيب إضافة السوائل والجوامد، أو ما يعرف في الكتابة بـ«الاستباق والإرجاء»، بالإضافة إلى «حكمة الخفاء» أو عدم إظهار المكونات، فذلك يجعلها لغزًا يسعى القارئ إلى فكه طيلة النص، وهو ما يسهم في إقامة شراكة بينه وبين الكاتب.
ويضيف عنصرًا مهمًّا في نظريته عن الطبخة الجيدة أسماه «الشيء في الشيء»، حيث يحتوي الطعام من الخارج على نوع، ومن الداخل على نوع آخر، والانتقال بين النوعين هو ما يخلق الدهشة واللذة. وهو الأمر نفسه الذي يتكرر في الكتابة.
وتحت عنوان «شربة البيض وكمأة الطفل بوذا» يؤكد على أهمية الدهشة والغرائبية في مفاجأة القارئ. وفي «خفة الأحلام» يقيد هذا المبدأ موضحًا أن الإنسان في الحلم يتحرك كما يريد في كل مكان، لكن الأمر مختلف في عالم الواقع. وكذلك في الكتابة، لا بد من وضع قدم على الأرض، ومراعاة بعض المنطق في صناعة الفانتازيا، كي لا تكون محض تحليق في الفراغ. أما عنصر السخرية أو «المزحة» فيعتبره لا يقل أهمية عن الخيالي في الطبخة المدهشة، فالفانتازيا والسخرية يتطابقان في الإخلال بالنسب المتعارف عليها في قوانين الطبيعة «ولكي يكون الكاتب الجيد مقنعًا يجب أن يظل على صلة بالأصل الواقعي».
وأبرز ما أسماه بـ«المزاح مع التاريخ» من خلال حضور الشخصيات في «ألف ليلة»، لكن حضورها، على الرغم مما به من انحراف عن الواقع، ظل مستندًا على أحداث حقيقية تاريخيًّا.
وإذا كان للبهارات والتوابل تاريخ طويل قامت خلاله من أجلهما حروب وأساطير، فإن الكتابة لا تخلو مما أسماه بـ«بهارات الدهشة»، تلك التي تتمثل في التضمين الشعري والتضمين المعرفي والشخصية الفرعية التي يمكن الاستغناء عنها. وهي عناصر تحتاج إلى دقة في التعامل معها كي لا تحيل الكتابة إلى «كيتش» أو زيف ورداءة. وقد شن هجومًا شديدًا على ما أسماه بـ«سحر الكيتش»، أو الكتابة التي تزيد من التوابل ومكسبات الطعم والرائحة من أجل مغازلة قارئ يؤمن بالحجم والشكل.
وفي مقاله «تذوق الأذى» يضعنا أمام قارئ أو آكل يرغب في تذوق الرديء من الطعام، وهو عادة من الطبقة المرفهة التي ترغب في تجريب هذا النوع من الأطعمة. لكن متذوقي الأذى في الكتابة هم نوع من القراء غير المحترفين أو المنشغلين بالقراءة الجادة، يبحثون عن اللقطة أو الصورة مع ما هو منتشر. في المقابل يوجد ما أسماه بـ«مطبخ العظمة» حيث الموائد والأطعمة التي لدى الأمراء والسلاطين، والتي حضرت في «ألف ليلة وليلة» مقابل أطعمة الفقراء التي جاء أغلبها من السمك، ربما لأنه لا يحتاج إلى جهد استخراجه، بقدر ما يحتاج إلى صبر وحظ.
وعلى نقيض وضوح الأذى والعظمة تجيء «متاهة المذاقات»، حيث المذاق الذي ينقلنا إلى عوالم مختلفة ويجعلنا ننسى واقعنا وهمومنا. أما النوع الرابع فهو بقايا الأطعمة التي أطلق عليها اسم «البابيا».
ثم يختتم الكتاب بما أطلق عليه «الطبخة غير المنتهية»، موضحًا أن كل الطبخات تنتهي، وكل الروايات تنتهي، مهما كان حجمها
اقتباسات:
• لا رواية تستحق البقاء عبر الزمن إلا إذا تركت أثرا شعريا لدى قارئها، لا تستمده من اللغة، بل من عدم اليقين الذي يفتح المجال لتأويلات مختلفة، كاختلاط مذاقات الحلو والمالح والحامض في العيش الشمسي الصعيدي، والباجيت الفرنسي.
• " العجن واللت" يتطابق مع ما كان القدماء يسمونه التحكيك والترتيب للوصول الى حسن السبك والجزالة.
• الخبز كالرواية، حاضر على كل الموائد.
وختاما:
هذا كتاب أول ما يأسرك فيه هو اللغة المحملة بالحركة والحواس، من شم إلى لمس إلى رؤية إلى سمع وتذوق، تماما كموضوعه، فضلا عن الفكر والتحليل العميق والمعرفة الدقيقة بكل ما يكتب عنه. وهو عمل جدير بالقراءة والتأمل.