في عصرنا الحالي يحتاج المقبلين على الزواج إلى مسار طويل وخط محدد للسير فوقه قبل المرور بطريق الزواج، طريق ملئ بالعقبات والعثرات التي إذا لم تنتبه له سيكون من أصعب وأسوأ الطرق التي يمكنك خوضها، سيكون طريق بلا نهاية سوى النهايات المظلمة ولكن العكس أيضًا صحيح.
الزواج مشروع ككل المشاريع الأخرى في الحياة التي يمكن أن تتعرض بسهولة للفشل نظرًا لسوء التخطيط وسوء الإدارة التي تتوقف على الشركاء في هذا المشروع وهم الزوج والزوجة، جاء هذا الكتاب وكأنه دليل لكل من يفكر في البحث عن شريك الحياة وتطرق لعدد من الموضوعات المهمة بصورة منمقة وواضحة.
ينقسم هذا الكتاب إلى ثلاثة أقسام، شعرت وكأنها كمراحل التفكير في الزواج، وأسفل عنوان كل قسم من هذه الأقسام تندرج عدة فصول مختلفة تتناول أفكار عديدة.
في القسم الأول الوقاية خير من الفشل يتناول الكاتب عدد من الموضوعات التي يفكر فيها الشباب والبنات عند التفكير في الزواج أو حتى انتظاره في حالة الفتاة، مثل فكرة فوبيا العنوسة التي تدفع الكثير من الفتيات وزاويهم الرضا بزوج لا يصلح من أجل الهروب من شبح العنوسة والذي يمكن أن يلقي بشباكه على الفتاة مهما كان عمرها صغير حسب البيئة التي تعيش فيها وبالتالي يلجأ بعض الآباء إلى الوأد العصري للبنات وكأن الآباء يحاولون التخلص من الفتيات بفكرة جديدة للوأد من خلال الزواج.
وفي فصل الرؤية الضبابية في معايير الاختيار يشير الكاتب إلى الكثير من الجوانب التي يجب التعرف عليها في الشريك قبل الأقدام على اتمام الزواج مثل مواصفات التدين وفكرة بيت العيلة والتكافؤ من حيث التعليم وتأثير الارتباط العاطفي والحب الأعمى.
من أهم النقاط التي القى الكاتب الضوء عليها هي وهم التغيير فلا يمكن أن يغير شخص من أخر إلا إذا كان هذا الشخص يريد بالفعل التغيير فالنية مطلوبة على الرغم من ندرة تحققها بالفعل، ومن الضروري مواكبة المستجدات التي تطرأ على الشخصية نظرًا لتغيرات الحياة أو ضعف النفس، مع ضرورة عدم الاعتماد على السوشيال ميديا للتعرف على الشخص الأخر لأنها ليست مقياس أبدًا.
في القسم الثاني من الكتاب باسم الفشل المزيف يتحدث الكاتب عن عدد من النقاط التي قد تؤثر بشكل واضح على مسار الزواج حتى وأن كان الشريكين متفقين في جميع الأفكار الأخرى، مثل في فصل الفردانية والمسؤولية والتي تتناول فكرة اختلاف احتياجاتك وحساباتك كشخص قبل وبعض الزواج، والتخلي عن الأنانية التي تعد هي الخصم الأول للزواج، ومن أكثر النقاط التي لفتت انتباهي واحببتها في هذا الجزء هو التحدث عن أن الأفراط في تحمل المسؤولية قد يجعل الأولاد في هذا الزواج يكبرون دون القدرة على تحمل المسؤولية نتيجة لأن آباءهم يتحملونها طوال الوقت بدلًا عنهم، وهي نقطة مهمة من نقاط التربية الصحيحة.
تطرق الكاتب أيضًا لنقطة مهمة في عصرنا الحالي وهي الحديث عن النسوية والذكورية ككل الأفكار الغربية التي أصبحت تسيطر على مسار الزواج وقد تؤدي إلى فشله واعتبرها من المستجدات، وأن إذا ما فهم كل شخص حقوقه الشخصية والحقوق المتبادلة بينه وبين الطرف الأخر فلن تحدث تلك النظرة، وإذا ما كان هناك مودة ورحمة بين الزوجين فيمكنهم هذا من التغاضي عن الموجة حتى تمر.
الهشاشة النفسية لها دور كبير في التأثير على الزواج والأبناء، وبعض أنواع الهشاشة متعلقة بالأباء الذين قد يلجأ لهم الأزواج لمساعدتهم في حل المشكلات فيكونون أكثر هشاشة من الشاب والفتاة أنفسهم مما يسبب فشل زواجهم او زيادة المشكلات، كما أوضح الكاتب أنه يجب مراعاة في البداية الاختلاف الفطري بين الزوجين في الأساس من حيث كونهم جنسين مختلفين، واختلاف المبادئ والأفكار، وهناك بعض الاختلافات الفرعية التي يمكن التغاضي عنها، فالتنازل بعض الشيء من الطرفين أمر ضروري لاستمرار الحياة.
أشار الكاتب إلى موضوع مهم جدًا وهو المقارنة أحادية الأبعاد والتي تجعل أحد الزوجين يقارن الطرف الأخر بشخص ثاني تمامًا خارج العلاقة ولا يعرف أن الشخص الأخر يتعرف عليه بشكل خارجي أما الطرف الشريك فيكون على حقيقته الكاملة، فالزواج يختلف تمامًا عن التعاملات الخارجية ما بين الأصدقاء والزملاء وقد تؤدي هذه المقارنة إلى الخيانة فيما بعد وهو ما تحدث عنه في الفصل التالي لذلك، والذي في كثير من الأحيان يكون من اسبابها الاهتمام أو منح الطرف الأخر كلمة واحدة تجعله يشعر بأهميته في هذه العلاقة.
في القسم الثالث أخر الدواء، الكي.. كان الختام الذي شعرت أن الكاتب لا يريد التحدث عنه ولكنه أمر ضروري في الحياة والعلاقات الزوجية وهو ضرورة حدوث الانفصال أو الطلاق نتيجة لاستحالة العشرة، فبعض الحالات من الضروري أن يحدث الطلاق حتى لا يؤثر ذلك على الأطفال ولكن يجب في المقابل التعرف على كل النتائج التي ستترتب على ذلك من حيث الأحوال المادية ونظرة الأخرين والمجتمع للمطلق والمطلقة وكذلك الأطفال ومحاولة إبعادهم عن النزاع بشكل تام، مع التأكيد على أن الطلاق ليس نهاية العالم ولكنه أمر حتمي في بعض الأوقات.
في كتاب حكمة ونصيب يضع الكاتب معتز عبد الرحمن مسار ملئ بكشافات كبيرة من النور سلط ضوئها على العثرات التي يمكن أن تواجه كل مقبل على الزواج، لا أنكر أن جميعها كان في ذهني بشكل عفوي وتلقائي، ولكن أن تجده مرتب أمامك في نقاط وبهذا التنسيق والسلاسة في الوصف فهو ما جعلني أقول أن هذا الكتاب دليل مفصل لكل مقبل على الزواج.
من السلبيات بالنسبة لي هي غلاف الكتاب الذي كان غير ملفت ولونه القاتم لا يليق بالفكرة التي يحاول الكتاب تصحيحها، وكان يجدر به أن يكون مبهج أكثر وأن كنت أحببت الرسمة على الغلاف، أما عن اسم الكتاب فهو اختيار جيد واحببته وشعرت أن أساس الزواج في البداية الحكمة والتوكل على الله وفي النهاية يأتي النصيب كما كتبه الله لك.
*اقتباسات:
" يسترد المجتمع بضاعته في صورة خوف شديد من شبح العنوسة يجعل البعض يرى إنجاب الفتيات همًّا وحملًا ثقيلًا"
" إن التعامل مع البنات كحمل ثقيل وكتبعة لا نعمة يدفع الكثير من الآباء والأمهات إلى الإلقاء بهن في أقرب حفرة تطرق الباب وفوقها لافتة (عريس)، دون أي نظر لدينه أو خلقه أو تاريخه وسيرته، فضلًا عن مدى مناسبته لها ومناسبتها له في القبول والشخصية والتفكير والأهداف والرؤى، تجدهم يقبلون الشخص وعكسه، لا يوجد أي معيار سوى الجاهزية المادية "
" في النهاية هناك شق قدري في الزواج، نحن هنا نهتم بالشق السببي الذي في أيدينا، كما أن التواكل والاعتماد المحض على القدر خطأ كما ذكرت سابقًا، فأيضًا تصور أن الأمر كله متعلق بالأسباب خطأ، لذلك أنا أصف الزواج بأنه (حكمة ونصيب)، إذا أخذت بأسباب الحكمة فقد أديت ما عليك ولا تلام ولا تلوم نفسك إذا قدر له ابتلاء فيه، وتتعامل معه حينها كأي ابتلاء خارج عن إرادتك"
"فلا ينبغي أن نساوي بين من يخشى من المسئولية بقدر طبيعي وصحي، وبين من يخشاها لوجود خلل في منظومة أفكاره وسلوكه"
" وإذا تأثر أزواج وزوجات بالتطرف النسوي أو الذكوري بعد الزواج فسيهدد هذا استقرار البيت، ويضيق مساحة الاتفاق والقدرة على العيش، لأن ما يمكن للمرأة أن تتحمله بشكل طبيعي من زوجها، ستقول لها النسوية أن هذا بغيٌ ذكوري لا يمكن قبوله، وما يتقبله الزوج من زوجته في السلوك والاحتياجات ستحذره الذكورية من كونه بغيًّا نسويًّا ومحاولات لانتزاع رجولته"
"ما لم تتعرفوا عليه بالملاحظة فاعرفوه بالتعلم، تعرفوا على الخصال الطبيعية في الجنس الآخر، فليس الذكر كالأنثى، ولو كانا كذلك لما استقرت بينهما الأمور. "
"أما مجموعات المشاكل على مواقع التواصل الاجتماعي فهي غير واردة على الإطلاق، فلا يثق في رأي المجهول إلا أحمق. "
" فإنه إذا لم يكن زميلًا جيدًا، صديقًا جيدًا، فإن هذا شيء سيئ ومضر للفرد والمجتمع ولكنه لا يكون أبدًا على قدر الضرر والفساد الذي يقع إذا لم يكن زوجًا جيدًا أو أبًا جيدًا، لذلك ركزت النصوص الشرعية على تأكيد هذه الخيرية "