رواية "جريمة في الجامعة" هي تجربتي الثانية مع الكاتب "عزالدين شكري فشير" بعد روايته "حكاية فرح" التي نالت إعجابي تماماً، فتحمست لروايته الجديدة رغم بعض الدعايا السلبية المُحيرة عنها، وشرعت في قراءة فصول الرواية وشخصياتها. تدور أحداث الرواية في الجامعة الأمريكية بمصر، شخصياتها دكاترة جامعيين، وطلاب يمثلوا إتحاد الطلبة، والهيئة الإدارية المُنظمة للجامعة، منذ أول فصل ولن تترك الرواية، فصل أول سيجعلك تلم بكل شخصيات الرواية، سرد جميل، ورغم تخوفي من كثرة عدد الشخصيات، وأن يُسبب ذلك حيرة مُستقبلاً، ولكني على العكس من ذلك وجدت أن لكل شخصية سماتها وصفاتها، التي ستجعلك تفهم تواجدها، وأفكارها، ونُدرك أن السبب الأساسي من كل هذا العرض للشخصيات أن كلهم مُشتبه فيهم، بجريمة قتل الدكتورة "يارا رفقي" التي سبت وشتمت واصدرت بعض الأصوات الحلقية لهيئة التدريس والإدارة في آخر "انتجاع" حصل بينهم، ليجدوها بعد تلك الحادثة بساعات مقتولة بمكتبها بطلقة في رأسها وآثار خنق على رقبتها وطعنة في بطنها، وزجاجة نبيت مسمومة بجوارها، ولتكتمل الجريمة كانت دون قميصها لغرضاً ما، فما الذي قالته أو فعلته "يارا" لتموت بهذه الموتة البشعة؟
أثناء القراءة شعرتُ أن أخيراً هناك من سيتكلم عن دكاترة الجامعة في مصر، أولئك المُنزهين عن كل خطأ الذين يشعرونك أنهم آلهة يقولون للطلاب كُن فيكونوا، فيتحكمون في ذلك وذلك، ومن البائس أن تجد مصيرك المُستقبلي مُرتبط بشخصيات مريضة مثلهم، فأبحث في كل جامعة في مصر، خاصة أو حكومية، معروفة أو غير معروفة، حتى لو كان معهداً خاصاً، ستجد العديد من الدكاترة المرضى الذين يقومون بأفعال لا تدل على إنسانيتهم، تتناقل الحكايات عن الدكتور المتحرش أو المرتشي، تتناقل الحكايات عن الدكتورة التي تواعد طلابها وتُبدلهم كما تبدل ملابسها، فأين المُراقبة على أفعال تلك الآلهة؟ ألا يوجد آلهة أكبر حجماً تستطيع أن توقفهم؟ أم أن المصالح المشتركة تجعلهم يتغاضون عن مئات الجرائم التي تحدث كل عام في جامعات مُختلفة؟ الغريب في الأمر أن أحداث هذه الرواية في الجامعة الأمريكية وهي من المُفترض أن تكون جامعة مُحترمة بسبب المبلغ الخرافي الهائل الذي يدفعه طلابها كل عام، ودون الفصل بالطبع إذا كانت الشخصيات المذكورة حقيقية أم لا، فحتى الكاتب موه ذلك بطريقة ذكية، ولكن، لا يُمكنك أن تنكر أن المناخ الجامعي في مصر قد يسمح بوجود هذه النوعية من الدكاترة الجامعيين بسهولة، وأنت لو مررت بأي مرحلة جامعية ستعرف أن هناك العديد من أولئك الآلهة.
ولكن الرواية عرضت ذلك بشكل عابر، وارتكزت على أفعال الشخصيات حول جريمة القتل، دكاترة بتتخانق مع بعض، ذلك الملخص، دون وضع الطالب في الحسبة إلا مُمثلي إتحاد الطلبة، فأصبح الصراع صراع إيديولجيات، رؤية الجامعة ووجودها، نظريات مؤامرة عديدة، ودكاترة ذات خلفية قومية إرشادية، والمُثير للسخرية أن كل دكتور فيهم خلفه بلوة! لا يوجد دكتور شريف، وكأن العفن طال الجميع، أن تعرف طبعاً أنك بمجرد أن تطأ قدمك المستنقع، يطرطش عليك، فما بالك لو كنت بداخل المستنقع نفسه، فمع عرض كل الدوافع لكل شخصية، تجدهم كلهم قد يكونوا متورطين في قتل الدكتورة يارا رفقي، التي لم تكن أشرفهم فهي مثلهم، ولوهلة شعرت أننا نتجه إلى نهاية من نوع الجميع فعلها، لتُقيد الجريمة كإنتحار أو ضد مجهول أو ما شابه، لنصل إلى النهاية المسلوقة سلقاً، وكأن الكاتب تورط بكل تلك الإتهامات والدوافع، فلبس الجريمة لأول شخص آتى في باله لم يكن متوقعاً! وذلك ما قلل من قيمة الرواية عندي، فالجريمة التي بُني عليها كل تلك الحكايات جريمة مُخوخة، فارغة من المنطق، حتى القاتل دوافعه مُثيرة للضحك، إذاً فكان الدافع لكتابة هذه الرواية هو فقط النقد الساخر واللاذع لسياسات الجامعة الأمريكية في مصر، وأنا أكره هذا النوع من الروايات الذي يتخذ ستار ويتضح لنا أنه ما يُريد قوله شيئاً آخر. ولولا استمتاعي الشديد طوال أحداث الرواية -دون النهاية- لكانت تجربة في منتهى السوء بالنسبة لي.
ختاماً..
رواية "جريمة في الجامعة" هي رواية تتخذ ستار الرواية البوليسية والجريمة لتنقد سياسات الجامعة الأمريكية، فشلت الجريمة في إقناعي، حتى لو كان نقد السياسات فيه أشياء كثيرة من المنطق، ولذلك عندما اغلقت الرواية لم أكن راضياً تماماً بل وشبه حانقاً، فإذا كان لديك ما تقوله حقاً لما لا تقوله صراحة دون مواربة؟ أو ستار؟