#ريفيوهات
"العادات السيئة للماضي.... تناقضات من نافذة"
--نظارة شعورية
-لنبدأ بطرح سؤال بسيط، كيف يرى الإنسان الأشياء؟ رؤية صافية تظهر حقيقتها الثابتة التي هي عليها، فتكون الأشياء سواء عنده لا يميزها أو يخلق بينها التنافس إلا بعض خواصها كالنار والماء؟ أم برؤية مختلفة مصدرها ما يدور في قلب المرء وخاطره من شكوك ويقين وبهجة وحزن وفرح وكآبة فتتلون الأشياء وفق ما يرغب
"تبدت لنا وسط الرصافة نخلة
تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل
فقلت: شبيهي في التغرب والنوى
وطول التنائي عن بنيّ وعن أهلي
نشأتِ بأرض أنتِ فيها غريبة
فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي"
-عبد الرحمن بن معاوية "صقر قريش "
-ومن هذا لا أرى بين هذه الأبيات القصيرة وبين هذا الديوان إلا تشاركا في نفس المذهب، فبينما كان عبد الرحمن بن معاوية يجد من النخلة- التي غرست في بلد مختلفة عن مكانها -رفيقا يتقاسم معه ألم الغربة، ومرآة يرى نفسه المعذبة من الابتعاد والنفي منها، كانت "النافذة" في قصائد "السؤال وما لم يفاجئني وأكوي الستائر والسبب والتجربة وعلقت هكذا" معبرة بالقدر عن تعايش الشاعر مع عالمه، يشاركه مشاعره الرقيقة عن الحب وأيضا شتاته وغربته عن أصله "في قصيدة القيامة"، ومنه يصنع -بكلمات قصيرة- ما بين وجود الوردة وقطفها في يد المحب عالما خاصا فيه مزيجه بين الحب والأمل "ما كان سيفعله حتما" واليأس والبين "الكون وخطؤكِ الصغير"
- وما يقوي تلك الفكرة في وجود قصائد "ما لم يفاجئني، وأكوي الستائر، والسبب، والتجربة، وعلقت هكذا وأريد" في وصل عنوان القصيدة بالنص، فلا تستقيم قراءة النص إلا بعنوانه، وهذا ما يشير في رأيي على قوة الثقة بين بيئة الشاعر وتجربته ونظرته فلا قيمة لإحداها دون الأخرى في تلك اللوحة المصممة، وأن كما في الأصل العنوان هو نافذة القصيدة تشاطرها الفكرة والإحساس مثلما شاطر ابن معاوية مع نخلته شعور الافتراق والنفي في أبيات قليلة، كانت البيئة كما قلنا هي نافذة صغيرة تطل منها ذات الشاعر، وبدونها كما رأينا في قصيدة" في الليل " وقد سار بطلها هائما بلا وجهة
--خيط طيف مراوغ
❞ عبر النوافذ
يدكِ التي لم أقبّلها
لم أقبّلها
لأنني
لم أستطع تمييزها
من يدي. ❝
من قصيدة السبب
-في قصائد "العرض، والسبب، والقانون" نرى مراوغة بسيطة يتحد فيها المحبين إن اجتمعا في ذات واحدة تراوغ نظرات الواقع وتصاريفه "في قصيدة تلك الحوادث في الطريق" تستتر منه في خفة ودلال "كما قصيدة العرض" وتغرق في ملذات الحب دون أي أثر كما في قصيدة " في الحب"
-إلا أن من شأن أي حدث أن يفسد تلك الاختلاسات البسيطة، حفرة تسرب تلك المشاعر كما في قصيدة خطؤك الصغير، وتترك أثرا بالغا في عين المحب، ففي قصائد "الق.تل، والبحث، وما حدث بعد غيابك، ومقايضة، وكوب الشاي وكشرطي مرور" نرى صورة تعبر عن هذه المأساة، فترى في جملة هذه القصائد ميتا قد تهدلت أوقاته وصارت بلا قيمة، حياة باردة ككوب الشاي، تمر وتمضي لا أكثر ولا أقل، وليس أمامه إلا يتمنى الموت فيلحق بالراحلين ليجد حياة خالدة بينهم، لكن الموت يراوغه فيسقط في فخ النسيان بمقايضة خاسرة، ويؤسر من رعبه فيما يحدث "في قصيدة لا يتذكر متى فقد الذاكرة"
- لكن في بعض القصائد لا ترى استسلام الشاعر لتلك الأفخاخ، فمن تشكلت حياته وتغذت على الآمال سريعة الخفوت "كما في قصيدة خطورة ما يحدث في الحضانة " تجعله متقبلا ذلك الجفاف "في جملة تقبلنا حقيقتنا كأبناء منطقة حارة في قصيدة العرض" فيناور ويحتال على الفراق بأي صورة من أقلها ببذل الدموع كما قصيدة "المشعوذة" مرورا بالعيش على ظل المحبوب وطيفه واسحضار كلماته التي محيت من قلبه "في قصيدة مثل عطور أو شيء من هذا القبيل وقصيدة المعجزة، والضيوف، ومفقودات" إلى موقف متوازن إما أن يطلب الغفران من مراوغات غير مكتملة قد آذت المحب في قصيدة أريد أو قصيدة جنتلمان، وإما يتوخى ويحذر وهذه إما بالعبوس وإظهار الضيق "كما قصيدة وجهي عابس" أو بالابتعاد والهرب كما قصيدة "خطر" وكل بعد حين سيرى كما رأى صاحب قصيدة الماضي عادته السيئة التي تلاحقه في جيبه
الخلاصة: عمل جيد، أحببت فيه بعض القصائد التي وظفت مشاعرها ببراعة على كلمات سلسة قليلة رغم أنني لا أفضل قراءة الشعر العمودي على حساب النثر