"لا جدوى من أن تكون في هذا العالم على حق، ولا معنى لأن تكون عادلاً ولا فائدة من أن تكون خلوقاً. يجب أن تكون قوياً، وشجاعاً، وبلا رحمة. وبغير ذلك لن تستطيع البقاء على قدميك."
رواية "صرخة الخطاف" هي من الأدب البوليسي للكاتب التركي "أحمد أوميت"، ورغم شُهرته الواسعة وأعماله الغزيرة نسبياً، هذا أول لقاء لي مع الكاتب، مع عمل ضخم حوالي ستمائة صفحة، ومع عمل بهذه الضخامة ومن الأدب البوليسي، يدخل الكاتب في تحدي مع القراء ألا يُشعرهم بالملل، أو التكرار، أو الحشو، فهل نجح الكاتب في ذلك؟
بنسبة كبيرة، نعم.
سر ذلك النجاح يكمن في عدم اعتماد الكاتب بشكل كُلي على اللغز، ومعرفة القاتل، والتي لم تكن هينة، ولكنه أضاف العديد من العوامل الأخرى، مثل الشخصيات، المحقق "نوزات" وتاريخه الشخصي، مساعديه "علي" و"زينب"، ولفيف من الشخصيات التي تقع في نطاق التحقيقات من جانب الشرطة، أو المُشتبه بهم، والمجرمين، ورغم أن الرواية تُحكى من منظور المحقق "نوزات" فقط، ولكن الشخصيات الأخرى كان لها وزناً، وتدخلاتها جيدة، بل وتستطيع توقع شكل شخصيتهم، وقرارتهم.
موضوع الرواية الأساسي هو التحرش بالأطفال، ذلك الفعل الدنيء، الذي يصدر من الوحوش البشرية، هم بيننا ولا نستطيع أن نعرفهم، مُندمجين، ومُتخفيين، ببراعة، لا تستطيع أن تكشفه إلا بصعوبة مُطلقة، وحين تكتشفه تجد أنه مُجرد شخص جبان أرعن، وتصرفاته تُعبر عنه، أو أنه ضحية بشكلاً ما، وذلك ينقلنا لموضوع هام وسؤال فلسفي يدعو التأمل، هل كونه ضحية يُجيز له أفعاله؟ هل كونه تعرض لحادثة ما في صغره حولته إلى مُتحرش بالأطفال في كبره يكون شفيعاً له؟ يجعل المُجتمع ينظر له بعين الشفقة على الأقل؟ لنصل إلى النقطة الأعمق التي تدور حول القاتل المُتسلسل "القط الأعمى"، هل بقتله لأولئك الأشخاص يُسدي معروفاً للمجتمع أم أنه يلعب دور الإله، وأنه عاجلاً أم آجلاً، سيقتل من لا ذنب له!
تناولت الرواية أيضاً، بعض المواضيع الجانبية، كهجرة السوريين إلى تركيا بعد الحرب، نظرة الأتراك لهم المُختلفة والبعيدة عن الشعارات الكاذبة، التي تُرددها الحكومات، المآسي الكبيرة الموجودة في حياتهم بعد دخولهم الأراضي التركية، الفقر والجوع، الذي قد يجعلك تبيع طفلك، أو حتى جسدك! فتطرق الكاتب أيضاً إلى عصابات سرقة الأعضاء وبيعها بسعر غال، وسرقة الفقير في ماله، والعواقب التي قد تحدث للأطفال تصل حد الموت!
كُل ذلك كان داخل الرواية وتم ربطهم ببراعة، قطعة وراء الثانية نُكمل صورة البازل، حتى نجد الصورة واضحة، ونعرف القاتل ودوافعه، لندخل في حيرة بعد آخر صفحات الرواية، هل تعاطفنا مع القاتل؟ بسبب ما حدث له في صغره! تلك المُعضلة التي جسدها الكاتب ببراعة، وسيجعلك تقع في براثنها.
ختاماً،
رواية "صرخة الخطاف" رواية بوليسية من الطراز الكلاسيكي المُمتع، لن تشعر بالملل وأنت تلتهم الصفحات، رغم كُبر حجمها، لن يُشتتك عدد الشخصيات، ولا الأحداث، هذا عمل بوليسي، سأرشحه لأي مُحب للأدب البوليسي.
بكل تأكيد يُنصح بها.