رواية "كتاب الشهادة" للكاتب الأيرلندي "جون بانفيل"، تأتي في شكل سيرة ذاتية لشخصية مُتخيلة، يسرد تفاصيل حياته، التي أدت إلى إرتكابه جريمة قتل، أو دعنا نقول تورط فيها، أو قادته ظروفه إليها، فلندعنا من الأسباب فهو قد شرحها وزادها شرحاً، المهم هو ما وصلنا إليه، وهو أن السرد من أول لحظة إلى آخر لحظة هي بمثابة شهادة على لسان "فريدي مونتجومري" وهذا أجمل ما في الرواية، أنها رواية صوت واحد، طوال الأحداث، ولكن لا تزال جديرة بالاهتمام والثناء، وذلك السرد الرتيب أحياناً، والشيق أحياناً، كالحياة، كان لمُحبي الروايات الدرامية، التي نعلم فيها ترتيب الأحداث، وليس هناك نهاية مُدوية في آخر الصحفات، ولكننا نقرأ لنفهم دوافع الشخصيات، وفي حالتنا هنا شخصية واحدة، كيف يصف حياته من البداية، كُل أولئك الأشخاص الذين قابلهم، يستدعي كُل الأحداث المهمة بحياته، أحبائه وأقربائه وأصدقائه، زوجته وابنه، حتى أعدائه ومن يكرههم، إنه سرد دافئ متوالي، لا يكف عن تعرية نفسه أمامنا، لا يتورع في ذكر كل قبيح حوله، حتى لو كانت فكرة عابرة مرت على ذهنه، فما يضره على أي حال؟ أنه ينقاد إلى الموت، فلا بأس بقليل من الصدق، أو الكثير منه، وصدقوني الصدق يحتاج إلى الكثير من الجرأة، وستجده هنا بكل تأكيد.
رواية مؤلمة، وسودواية للغاية، الأحداث تكاد تقطر بؤساً، والسرد ورغم بساطته ستشعر أن صاحبه ينزف دماً، على حياته، وتلك السكتات التي كان يقف عندها، وذلك السؤال المؤرق الذي كان يسأله عديداً لنفسه، ما الذي جعلني أصل إلى هذا الحال؟ إنها رواية عن عبثية الحياة، وظلمها، عن النفس البشرية وخباياها، وما تحمله من شرور، ستجد فيها لمحة من "دوستويفسكي"، وعلى الأخص روايته "الجريمة والعقاب"، وعندما تقرأها ستعرف عن أي تشابه أتكلم. وبكل تأكيد لن تكون تجربتي الأخيرة مع الكاتب جون بانفيل.