ليست منيرة المهدية التي كانت أول مصرية مسلمة تتجرأ على الغناء والتمثيل على المسرح برغم أنف التقاليد. ولا هي فتحية أحمد ابنة أخت العالمة الشهيرة بمبة كشَّر.
كل دا كان ليه: سردية نقدية عن الأغنية والصدارة
نبذة عن الكتاب
ما تقترحه كراوية، إذن، هو كتاب من شقّين؛ الشق الأول ملاحقة تحورات الأغنية المتصدرة، المينستريم كما تكتب أحياناً، على مدى قرنٍ ونيف من الزمن؛ من نهايات القرن التاسع عشر إلى بدايات القرن الحادي والعشرين. أي من نهايات عصر العوالم إلى حقبة الراب والمهرجانات، مروراً بالانتصار الكاسح للطقطوقة بعد ازدهار المسرح الغنائي، ثم ظهور أغنية وقوالب جديدة مع محمد عبد الوهاب ومحمد القصبجي وملحني الست أم كلثوم، وانتقالاً إلى السينما والإذاعة، ثم فترة الغناء في ظل النظام الناصري، فصعود غناء قادم من الأطراف والهوامش و"الشعبي"، في موازاة انحسار ما سمي بعصر الوسط، أمام النجوم الشباب الذين صنعهم حميد الشاعري، أو صنعوا أنفسهم بأنفسهم كعمرو دياب، وأثر الشاشة والفيديو كليب على المغنيات وصورهن. والشق الثاني هو متابعة الأسباب التي جعلت هذه التحورات في من هو المتصدر ممكنة، بل شبه "محتومة". وأقول "شبه" محتومة لأن مضمون الكتاب يشدّد باستمرار على أن النتيجة النهائية في سباق الصدارة، كانت دائماً حصيلة مفاوضات وشدّ وجذب وتعاونات ومواءمات بين عوامل كثيرة، وغير ثابتة، ولم يكن لها بالضرورة أن تؤول إلى ما آلت إليه، لولا تلاقي كل هذه العوامل عند أشخاص بعينهم تفاعلوا معها، ببعد النظر أو بقصره، لخدمة ما رأوا فيه مصلحتهم ومساحة قدرتهم على الإنتاج الفني. فادي العبد اللهالتصنيف
عن الطبعة
- نشر سنة 2022
- 304 صفحة
- [ردمك 13] 9789778616248
- ديوان
تحميل وقراءة الكتاب على تطبيق أبجد
تحميل الكتاباقتباسات من كتاب كل دا كان ليه: سردية نقدية عن الأغنية والصدارة
مشاركة من عبدالسميع شاهين
كل الاقتباساتمراجعات
كن أول من يراجع الكتاب
-
عبدالسميع شاهين
كتاب للتأريخ للغنوة في مصر ،مدعم بصور فوتوغرافية
-
mhmd sayed
من الخارج، يبدو حقل الدراسات الثقافية دالاً على ممارسةٍ ثقافيةٍ ما يقوم شخصٌ ما بدراستها ف سياقٍ محدودٍ ما، واتعشّت. عدا أنه هنا تكمن مراوغة وخطورة هذا الحقل؛ إذ أن الاشتغال من خلاله يعني المرور بمراحل البحث والتحليل والنقد، ليس للممارسة الثقافية فقط، وإنما للثقافة المحيطة بها ككل: كيف تولّدت ونشطت، و كيف كانت رحلة التحوّل التي تتضافر فيها الخبرات الفردية والمؤثرات الاجتماعية والتدخلات السلطوية.
الأنقح، أنك طوال هذا الطريق تفترش أمامك مالا يقل عن 15 حقلاً معرفيًا أساسيًا أو بينيًا، تتنوّع بحسب ما تحتاجه الممارسة الثقافية محلّ الدراسة، بالتالي بسم الله كدة قد نجد أنفسنا مشتبكين مع حقول التاريخ الاجتماعي والاجتماع السياسي والاجتماع الرقمي والاقتصاد السياسي والسلوكي، والفلسفة وعلم النفس والقانون، والإنثربولوجيا والفنون الإثنية ودراسات النسوية، ودراسات ما بعديات: الحداثة والبنيوية والكولونيالية والثورات، والتداولية والبلاغة الجديدة والإعلام والاتصال، والتحليل: النفسي والفني والأدبي والأدائي والسيميائي، والديموجرافيا والتخطيط العمراني، والدراسات المستقبلية، وقائمة مفتوحة يتداخل فيها الفني مع التكنولوجي مع الاجتماعي مع الإنساني وليلة كبيرة أوي سعاتك.
تخيل بقا أن تشتغل من خلال كل هذا - وحدك- على ممارسة ثقافية واحدة لكن واسعة (الغناء والموسيقى)، وعلى مفهوم ثقافي واحد لكن زأبوق (الصدارة)، ليس فقط في سياق تفاعل معيّن ومحدود، وإنما على مدار يتجاوز 200 سنة شديدة الزخم. وحدك تاني بدون فريق بحثي يساعدك. هذا التخيّل جعلته فيروز كراوية واقعًا متماسِكًا في كتابها (كل دا كان ليه: سردية نقدية عن الأغنية والصدارة)، الصادر مؤخرًا عن مكتبة ديوان.
الكتاب سردية ممتعة ذكية ونافذة، تشكّل نفسها عبر القطيعة مع السرديات المستقرة السطحية المجتزأة، وسرعان ما تدرك أن خيوطها أُحكِمَت بقبضةٍ من حديدٍ، وجرت التضحية بالكثير من الاستطرادات؛ لأن هذا هو الخيار الوحيد في تناولٍ معقّدٍ وممتدّ ومتشعّب، وإلا فالبديل الحتمي: الكثير من الالتقاطات الهائمة والرصد المبهوأ.
السردية اعتمدت على مركزيات يمكن تحديدها عبر مذاكرة الكتاب بالورقة والقلم، تتقاطع فيها أحداث سياسية مفصلية (الحملة الفرنسية، حكم محمد علي، الاحتلال البريطاني، ثورة 1919، انقلاب 1952، ثورة 2011)، مع شخصيات مركزية (أم كلثوم، سيد درويش، عبد الوهاب، عبد الحليم حافظ، فيروز، أحمد عدوية، حميد الشاعري، عمرو دياب، ....)، مع مركزية للوسائط (التسجيلات، الإذاعة، السينما، المسرح الغنائي، شريط الكاسيت، الفضائيات المتخصصة، الإنترنت)، مع المركزية المتبادلة للأدوار (المؤلف، الملحن، الموزّع، المنتِج الموسيقي، المغنّي، الرقيب).
ربما يمكن استخلاص نمط للصدارة عبر تتبّع هذه المركزيات، واتخاذه نموذجًا تفسيريًا، وإن كنتُ لم أتمكّن من ذلك في هذه القراءة الأولى؛ لكن سواء أمكن أم لم يمكن فالوضع الآن أننا تجاوزنا حالة المركزية إلى لامركزية مفتوحة على كافة الاحتمالات. وهو ما أوجَد لديّ حالة افتقادٍ لأسماء وظواهر من مرحلة ما قبل اللامركزية، منها تجارب الثقافة الفرعية "داخل" مصر، التي تحضر فيها أسماء مثل: علي طالباب وزين العابدين الكحكي.
والهوامش! الهوامش حافلة بتعريفات فنية متخصصة، وإحالات واقتباسات فارقة، وترجمات موجزة وثاقبة لشخصيات وشركات وفرق ومجموعات وأجيال وحركات وتيارات فنية ومجتمعية وسياسية متنوّعة، فضلاً عن الاستطرادات حول خرائط التفاعلات والتأثير والتأثّر التي تعيد تشكيل نظرتك للسياقات المذكورة بتفاصيل ربما لن تجتمع هكذا في مكانٍ آخر.
اللافت جدًا بالنسبة لي، هو أن فيروز كراوية تمكّنت من تجاوز الجدلية القديمة المتجددة (الممارِس في مقابل المنظّر/أو الباحث)، والتي تقتضي على سبيل الضمان أن يفارق الممارس (للفن أو للمهنة) سياق الممارسة التي تحبسه داخل رؤية إجرائية بحتة، تمهيدًا لانتقاله إلى مستوى أوسع من الرؤى والتناول والتجريد والتطبيق. ولعلّ مهارتها السردية التي تتجنّب توظيفها في الكتابة، تكون من أبرز العوامل التي ساعدتها في تحقيق هذه الصيغة.
أخيرًا، هذا الكتاب كتِب بنفَسٍ طويلٍ وروحٍ جريئةٍ مُربكة؛ لذا كان طبيعيًا بسببه أن أجد نفسي مجددًا أواجه أسئلةً كنتُ أظنني حسمتُ إجاباتها، عدا أنها عادت لتنهض من جديدٍ ساخرةً: إجاباتك لم تعُد كافية! لنبدأ جولةً أخرى جديدةً.
هذا كتابٌ مرجعي فخيم يستحقّ الاحتفاء. شكرًا فيروز!