«خمسة أعوامٍ مضت يا أمي.
على الولد الذي أبحر.
برحلته الخرافية..
وخبأ في حقائبه، صباح بلاده الأخضر»
في "ما لم يروه الوطن" لا نعرف اسم الراوي ولا اسم أمه، لا نعرف البلد الذي أتى منه أو ارتحل إليه، لكنه يشبهنا كثيرا، وبلادنا فيها من بلده، نرى أنفسنا فيه وما عايشناه أو نرى مخاوفنا، أو نعرف أحدا مثله.
لسبب ما لم أنتبه إلى أن هذا النص ليس رواية بل خواطر إلا بعد أن انتهيت منه. نص جميل يثير الشجون عبر خواطر مغترب يقاسي الوحدة وليس أمامه في معركة الوقت والصمت إلا النوم سبيلا للهرب. خواطر غريب فارغ متطفل على عالم لا يعرفه ولا يجد ترحيبا إلا من الوحشة، لا تخفيف لبكاء ولا تربيت على الأكتاف. تحوله الوحدة إلى إنسان شارد دائما غير متواصل. ثقيلة هي خطواته في المنفى حيث الدنيا الباهتة بعد حياة مدللة ملونة في الوطن وما يتغير لا يعود.
الراوي طُبع عليه ختم الغريب الذي تهاجمه حمولته البائسة في الليل حيث البيت الموحش. يغفو على الأريكة ويصحو على آلام من وضعية النوم غير المريحة. يهرب من منزله البارد إلى العمل الدافئ. يعمل ساعات إضافية لكي يبقى في محيط من البشر. ينتظر أيام العمل في العطلات التي تثير بؤسه وتذكره بأحزانه.
تتبخر العلاقات التي يتركها المهاجر وراءه.. "هل للمسافةِ ممحاةٌ تمحو بها ما كان قبلها؟"
إبداع حقيقي. ببعض اللمسات كانت لتصبح رواية رائعة، لكن ربما الكاتبة فضلت أن يكون نصا نثريا دون التقيد بأصول.