قراءة أحمد الحقيل لها لذة الاستماع لحكايا الأولين، والقصّصاين المحترفين الذين مرروا الذكريات بين الأجيال، مع أنه لا يكتب عن الماضي بالضرورة. أو أنه يفلتر الحاضر ليستخرج منه نخالة الماضي التي تسمه وتصنع حلاوته ومراراته.
سرد أحمد يكاد يكون صوتاً لجيله من السعوديين، الذين عجنتهم الثمانينات والتسعينات ثم لفظتهم على الأعتاب؛ أعتاب القرن الحادي والعشرين، وأعتاب القرون التي سبقته. ذلك التأرجح بين الماضي البعيد والحاضر البارد الذي لم تلتئم خدوش الأمس به، أليس هو شخصية الجيل السعودي إكس؟
المجموعة معنونة بـ البيت. لكن هذا البيت قد يكون منزلاً، حجرة، حارة، أو وطناً.. معاصراً أو كامناً في قصص التاريخ الكامنة هي الأخرى في حمضنا النووي وقد دمغنا الترحال.
ولغة أحمد جزلة بما يكفي لتستشعر عذوبة اجترار الماضي، وإن لم يكن ماضيك الشخصي، وفارهة بما يكفي لتعيش معه دفء شمس العصاري المسكوبة كالعسل على المشاهد، وروائح الشجر ممزوجة بالأسفلت الحامي، أو طمي السيول في القرى التي ماتت لأجل أن تحيا المدن، ونحيا نحن فيها بعدما مات بعض منا في ماضينا، أو هكذا حسبنا، قبل أن يوقظ الموات فينا منظر عابر، أو رائحة، أو اسم، فنستذكر بيوتنا المهجورة، وأنفسنا القديمة التي لا تفتأ تغافلنا وتظهر في العطفات كلما حسبنا أننا انعتقنا منها واستسلمنا لتيار الحياة الصاخب، فقط لنستوقفها هنيهات ونتساءل: لِم كان ذلك كله؟