يمكن اعتبار هذا الكتاب، بانحيازٍ كامل أحد أجمل مفاجآت هذا العام،
والمفاجأة في (جواد يبلغ منتهى وجهته) ليست فقط في كتابته وموضوعاته، ولكن في كاتبه الصديق حسام الدين سيد، الذي تعرفت عليه مصادفة على تطبيق باز، كصاحب محتوى خاص بالسينما والأفلام، وكان الاستماع إليه في عدد من الحلقات واختياره لموضوعاته شيقًا وجميلاً، لكني لم أكن أعرف أنه كاتب، ولم أعرف أبدًا أنه يكتب بهذا القدر من الجمال!
هذا كتاب يمكن أن ينضم أيضًا للكتب التي أراهن عليها بسهولة، سيجد فيه كل قارئ ما يحب، بل وأظن أيضًا أنها ستمنحه قدرًا من السكينة وراحة البال، قلما تتوفر في كتابات هذه الأيام، بهذا الأسلوب الشيق وبتلك الطريقة الجذابة.
الكتاب الذي اختار حسام أن يقسمه إلى إحدى عشر قسمًا، ليناقش ويتحدث بحرية وبأسلوبٍ أدبي رصين عن موضوعات مختلفة بدأها بالإيمانيات، والتي تنحو أحيانًا جهة الصوفية بهدوءٍ واتزان، فيتأمل أهمية ذلك "الإيمان" وفحواه، وعلاقة الإنسان به وأثره في حياته من جوانب شتى لا تقتصر على دين أو ملة بل تتسع لتشمل العالم، ثم يبلغ الذروة في الفصل الخاص بأحوال، ليرصد ويغرقنا معه في عددٍ من أحوال الإنسان التي ربما تنفلت منه ويضيع لحظات تأملها، مثل حال الحزن، وحال الغرفة المغلقة وحال سلام "مثل جواد يبلغ منتهى وجهته" وهو الذي أخذ عنه عنوان كتابه، الذي أود أن أعترف أنه أول ما جذبني للكتاب، ففيه شاعرية وغموض يدفع المرء للرغبة في اكتشاف ماهذا الجواد وما حكايته، ومن الأحوال حال الصمت والصدق، والحقيقة أنه في كل حال من الحالات يمر عليها برهافة وذكاء، ورغم كل مافي خال منهم من غواية إلا أنه يكتفي بالرصد الذكي للحال والتعبير عنه، وفي ظني يترك القارئ بعد ذلك للتفكير في ذلك الحال وأثره عليه، ومنها حال "التغافل أن تدع محبًا يمر بحكايته" وحال البساطة، وحال السكينة ، في ظني أن الجزء الخاص بالأحوال من أجمل فصول الكتاب، ولكن ماذا يكتب بعده؟!
بعد أن أخذنا في تلك الأحوال الجميلة، يأتي بنا للتأمل مع "شخوص في الرحلة"، فيحدثنا عن هابيل وموسى وإبراهيم وأفلاطون، يقول:
ستظل طباعنا موسوية، لهفتنا وهلعنا تسبق صبرنا على ظلم اللحظة الراهنة ولا معقوليتها، سنغضب ونحطم ألواح الحكمة ونفرغ غضبنا على من نحب كما شد موسى أخيه هارون من لحيته، سنتوسل الله أن يحضر عيانًا، ليطمئننا، سنحيا وسط أقوام مُثقلين بالخوف، نستغفر لهم، نتيه معهم، قد نصل لأحلامنا، وقد نموت على مرمى حجر منها، عسى أن تجبر سعة أرواحنا، كل نقص في بشريتنا، وعسى أن يغلب السكون القلق، والطمأنينة اللهفة، واليقين الهلع، عسى أن نتوسل قول موسى كلما حاوطنا السوء: ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾